هكذا ينعتنا الصينيون حين يكتبون عن بلادنا أو يتحدثون عنا.. ويريدون منا أن نعرّف أنفسنا لهم حين السؤال عنا.. من نحن..؟ أو من أي بلد جاءنا؟ بأننا من «شاتا ألبوو»، والترجمة الصحيحة لهذا النعت كما قال لي من عاش وما زال يعيش معهم حتى هذه اللحظة هي «الصحراء السعيدة»، وليس الشعب العربي كما كنت أظن من قبل.. وحين التحليل للمفردتين الواردتين أعلاه نلحظ التناقض في الذهنية الشعبية، فالصحراء في الغالب الأعم ولدى شريحة عريضة منا ليست هي مبعث السعادة والراحة والاطمئنان، بل عنوان شظف العيش وخشونة الحياة وصعوبة التوافق مع حياة المدينة التي هي في العرف السائد لدى الكثير منا الموطن الحقيقي للاستقرار والسبب الرئيس لنيل قسط كبير من السعادة.
مهرجان الصحراء الدولي الذي تحتضنه حائل هذه الأيام حاول منظموه أن يعيدوا قراءة الصحراء من جديد، ويعرّفوا المواطن والمقيم بالملابس التراثية وبالأكلات الشعبية التي كان الأجداد يتناولونها، ويبرزوا القيم التي يفتخر ويفاخر بها إنسان هذا الجزء من الأرض، حتى التطبب والتداوي الذي استخدم إبان ما مضى من تاريخ عرب الصحراء حظي هو الآخر بفعاليات متعددة نظّمتها جامعة حائل مشكورة، مشاركة منها في هذا المهرجان المتميّز.
إن مثل هذه الفعاليات الدولية تستحق الإشادة والتنويه من قِبل وسائل الإعلام المختلفة فهي ذات أثر فعَّال في تذكير الأجيال الجديدة بمن نحن، وأين كنا، وإلى أين وصلنا.. تبيّن لهم الجذور.. وتعرّفهم بخطوات المسير.. وتكشف لنا جميعاً جانباً من التاريخ القيمي الذي قد يكون اندثر عند البعض منا جراء زحف قيم الحضارة المدنية المعاصرة!
إننا بالفعل «الصحراء السعيدة» وسر هذه السعادة التي منَّ الله بها علينا ومبعثها عندي:
* أننا في هذا الجزء من العالم حسمنا إشكالية المرجعية بشكل قطعي وهذا بحد ذاته بعث قوي من بواعث الاستقرار الفكري والطمأنينة المجتمعية إلى حد كبير فضلاً عن أن يكون المرجع الذي يُعتمد عليه حين التشريع وسن القوانين رباني المصدر، محفوظ من الخالق العليم الرحمن الرحيم إلى قيام الساعة، وصالح لكل زمان ومكان.
* أننا بفضل من الله نعيش في كنف نظام حكم مستقر، ولذا فإشكالية الشرعية عندنا محسومة إلى حد كبير، خلاف ما نعرفه عن معاناة الكثير من بلاد العالم جراء عدم الوصول إلى صورة صحيحة عن آلية الحكم وكيفية إدارة الدولة رغم التصفيق والتهويل والتسويق للنظام الديمقراطي الغربي شرق العالم وغربها، شمالها وجنوبها، بوسائل وطرق متعددة وربما بالقوة أحياناً.
* أننا ولله الحمد والمنّة وبفضل السياسة الواعية والرؤية الاستشرافية الواثقة، استخرجت ثروات صحرائنا واستكشفت خيرات أرضنا فكان ذلك وما زال سبباً من أسباب استقرارنا الاقتصادي وتطورنا التنموي.
* إننا حين تواصلنا مع غيرنا لم ننقطع عن تاريخنا ولم يتنازل الكثير منا عن قيمه وينسى ماضيه، بل كان وما زال الزمن في قاموسنا مستمراً، فالماضي هو الركيزة الأساس لحاضرنا، وما سيكون ينبني على ما كان وما هو كائن في عالم اليوم.. ولذا تكسرت كل المحاولات لفصل الحقب الزمنية عندنا.
بهذا كنا سعداء رغم أننا أبناء الصحراء، وإذا أردنا أن تظل صحراؤنا سعيدة فلنكن كما كنا، بل أكثر مما نحن عليه من حال، وجزماً كل محاولة لاختطافنا من حقيقة وجودنا لن تجد لها طريقاً إلى قلوبنا فضلاً عن عقولنا إذا نحن عرفنا ما هي الصحراء، وماذا تعني لنا، وكيف يمكن لجيل اليوم أن يفاخر بنفسه ويحافظ على ذاته ويجدد عهده مع التنمية ويحقق ذاته الحضارية وهو كما هو ابن لهذا التكوين التضاريسي الهام، دمتم صحراويين وبحريين بخير، وشكراً لكل مواطن مخلص يسعى ما استطاع إلى أن يكون عنواناً جديداً من عناوين الإنجاز والتطوير والبناء.. وإلى لقاء والسلام.