قالوا قديماً: خير عادة أن لا يكون للإنسان أي عادة، ويقول المتنبي:
(لكل امرئ من دهره ما تعودا
وعادة سيف الدولة الطعن بالعدا)
وأنا لا أؤيد القول الأول، ولاحق لي بالاعتراض على الثاني، ووجدت نفسي أمام هذه الفكرة صباح يوم كنت فيه خارجاً لبعض شأني دون تناول قهوة محببة عندي، فانتابني صداع بدأ يتزايد ولم أكن أعرف في البداية سببه إلا حينما توجهت لزاوية في المنشأة التي كنت أقصدها تباع فيها أنواعاً من القهوة، وبعد أن تناولت أقل من نصف الكأس وإذا بالصداع يخف تدريجياًً حتى زال، فعرفت أن الأمر يتعلق إما بعادة تناول القهوة، أو لما تحتويه من مواد مضافة أو بهما معاً، وقد تواترت أخبار تؤكد أن بعض شركات تصنيع بعض المشروبات من قهوة وغيرها تضيف ما يغري متناولها بعدم الاستغناء عنها بل الانجذاب إليها، غير أن بعض الإضافات ربما كانت غير مسموح بها، عندها قررت أن أحجم عن تناول أي نوع من القهوة طالما أنها تريد التحكم بمزاجي، وبعد أيام أضفت الشاهي إلى قائمة الامتناع مع الإصرار شهراً كاملاً فأعجبتني الفكرة فأكملت شهراً ثانياً زاد بعده وزني فسألت طبيباً مختصاً أفادني أن بعض المواد كالقهوة والشاي قد تعيق امتصاص عناصر غذائية لاسيما إذا جاءت بعد الوجبات أو أثنائها، وهذا سر زيادة الوزن الذي جاء صحياً وليس مرضياً حسب قوله وأنه نتيجة إيجابية في هذه الحالة.
هذه القصة شجعتني على تكرار التجربة وقصصتها على صديق تضامن معي على ترك عادات غذائية خاطئة كالإكثار من الكبسة واللحم والتمر ونحو ذلك مما يعد عادة أكثر مما هو سلوك غذائي سليم، وكانت النتائج إيجابية بدرجات عالية، طورنا الفكرة إلى تجارب أهم فبدأنا بتجارب المشي المنظم لفوائد صحية، ولكننا أثناء المشي كنا أحيانا نمضي الوقت بأحاديث ربما تعرضنا خلالها لأشخاص بنقد أو قدح أو ذم - ولو بحسن نية - فتعاهدنا كتطوير للذات والأفكار والتجارب أن نقلع أيضاً عن هذه العادة رغم قناعتنا بأننا لم نظلم أحدا، وكل إنسان يفعل ذلك لكنه قد يتعدى المقبول إلى المحذور دون أن يعلم، أؤكد لكم أن التجربة كانت من أفضل التجارب التي سبقتها، ووجدنا فيها راحة للنفس والضمير وطهارة للألسن وتمنينا أن لو بدأنا بها قبل تجارب الكبسة وأخواتها، والآن كل منا يجاهد نفسه جهاداً بليغاً للتمسك بهذه المحامد، غير أننا لم نحرم أنفسنا من ملذات التمتع بالشاهي المنعنع أحياناً وبقدح خاطف من القهوة العربية لزوم المجاملة في مناسبة عائلية أو مثلها، وقد قيل إن كثيراً من المشروعات الناجحة تبدأ من فكرة بسيطة، ولا أدعي أني قد جئت بشيء خارق إنما هي دعوة لحماية الصحة ليمكن الاستمتاع بحياتنا بشكل أفضل بإذن الله. وقد طرحت على صديق آخر فكرة الإقلاع عن المبالغة بالتهام كميات من الأرز دون مبرر سوى أنه طيب ولذيذ، فثار في وجهي مؤكداً أن الكبسة بالحبحر (الفلفل الحار) ولحم الحاشي خط أحمر لا جدال حوله، قلت: اللهم انصر عبادك الموحدين إنما أتحدث ياعزيزي عن الرز ولم أتطرق للخطوط الأمامية على الجبهة!! والكلام الأكيد أن بيننا من يعز الكبسة أكثر من صاحبته وبنيه.