الحجر مادة البناء، ومن الحجر والرمل والمعادن والحديد تتشكل المباني بأشكال وأحجام هندسية عديدة، يلعب الخيال دوراً رئيساً في تصميم المباني بصور إبداعية وجمالية تأسر إعجاب الناظر وفضوله، والمعلوم في إنشاء المباني، سرعة إنجازها، فالمشروعات العقارية والجامعية والصناعية والطرق وغيرها مهما كانت عظمتها وضخامتها، يستطيع المتابع أن يلمس مدى التقدم في إنجازها يوماً بعد يوم، في كل يوم تبدو الصورة مغايرة، وما إن تمضي الأشهر المحددة، والسنوات التي قلّ أن تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا وتجد المشروع ماثلاً للعيان يسر الناظر، ويتملك الإعجاب، وتلهج الألسنة بالثناء لمن أبدع التصميم وأنجز العمل.
ومن الحجر، أحجار كريمة، تتزيّن الحسناوات بها، فتزيدها نضارةً وحسناً وجمالاً، أحجار مختلفة التصاميم والألوان، لكل منها خاصيته وجاذبيته وقيمته، وتعد النساء من أكثر المعجبين بهذه الأحجار المتتبعين لها، ويعد الرجال من أكثر المعادين لهذه الأحجار الكارهين لها، لأن النساء تتزيّن بها، بينما تربك هذه الأحجار ميزانيات الرجال وتفقرها.
وتبقى المباني والمشروعات، بلا قيمة، بلا معنى، تبقى خاوية على عروشها، مثل الجسد الذي لا روح فيه، فعلى الرغم من بهاء المباني وكمال تكوينها وجمال إنجازها، تبقى بلا قيمة ما لم يتأهل من يقدر على تشغيلها واستثمارها، وإكسابها حيوية وتفعيلاً، حتى الأحجار الكريمة تتلاشى قيمتها وبريقها ما لم تزيّن جيد الحسناوات، فالحسناء هي من يكسب الحجر الكريم قيمة، ويزيده بهاءً وحسنا.
هناك بون شاسع بين الحجر والبشر لا يخفى على ذي لب، ويعد إجراء مقارنة بينهما من نافلة القول، ومع ذلك تطرح التساؤلات التالية:
أيهما أجل قيمة؟ أيهما أحق بأولوية الاهتمام والرعاية؟ أيهما يبدأ به؟ وهل تتساوى الجهود التي تبذل في الاستعداد والتهيئة للتكوين والإنجاز؟
الاختلاف بين المكونين جذري وعميق، وعلى الرغم من هذا، ما زال البعض وأخص من أعطاه الله فجأة بسطة في المال، يعطي المشروعات قيمة وأولوية مطلقة على كل شيء، يبالغ في تصاميمها وصرف المبالغ الطائلة عليها، وتجهيزها بالكماليات حتى تبدو للرائي في غاية الإبهار، فقط من أجل نيل الإعجاب والثناء، وإذا فرغت الجهة أو صاحب الشأن من الإنجاز، بدأ يفكر في العنصر الأكثر أهمية وقيمة، ويلتفت إليه باحثاً عن الأكفأ والأقدر، وهنا يبدو التحدي وتبدأ مسيرة الفشل، إنه العنصر البشري، الحاضر الغائب، الحاضر عند ذوي الألباب قيمة وأولوية، الغائب عند ذوي الجيوب المنتفخة، الذين يظنون أن مثل هذه الأعمال تعد إنجازات تكسب من يقوم بها درجات عليا من التقدير والاحترام وما علم أؤلئك أن التقدير والاحترام مرهون بمدى العناية بالبشر وتأهيلهم، البشر هم صنَّاع النجاح، هم من يسيّر الأعمال ويجعلها منتجة تحقق الآمال التي شيِّدت المشروعات من أجلها.
هذا الانحراف في رؤية تحديد الأولويات يبدو جلياً في الدول حديثة الغنى، حيث يغلب على ظنها أن كل شيء يمكن توفيره والحصول عليه وتسخيره بسلطة المال وسطوته، وهذا ظن أثبتت وقائع الحال أنه ظن خاطئ، والدليل على ذلك أن في تلك الدول الكثير من المشروعات التي تبدو مبهرة، لا يملك الرائي لها إلا الإعراب عن شديد إعجابه واندهاشه من عظمة ما يراه، ولكن عندما يلتف باحثاً عمّن يدير المشروع ويشغله لا يجد من أهل الدار أحداً، فكل من فيه غريب الوجه واللسان، لهذا يبقى تسيير هذه المشروعات رهن الاستجابة لبقاء هؤلاء الغرباء والاستجابة لابتزاز مطالبهم، أو التعطيل الحتمي والفشل.
حسب مقتضيات العقل والمنطق، يفترض أن يعطى البشر الذين يتولون تشغيل أي مشروع أولوية توازي إن لم تتقدم على عمليات إنشائه وبنائه، عدا هذا سوف ننتظر المزيد من قوائم الإبهار الأجوف والفشل والتعطيل وهدر الموال.
ab.moa@hotmail.com