تهدد الأزمة السياسية الحالية في العراق، بتفتيت الحكومة الإئتلافية، وذلك منذ أن حاولت حكومة نوري المالكي، اعتقال النائب السني لرئيس العراق طارق الهاشمي، بتهمة الإرهاب. وإحالة النائب السني صالح المطلك من البرلمان العراقي، بطلب من رئيس الوزراء الشيعي.
وهو ما أثار جدلا بين أطياف المجتمع العراقي، وشرائحه؛ خوفا من تحقيق المشروع الطائفي أهدافه على المستويين القريب والبعيد. وإثارة المخاوف من خلال زعزعة الثقة بالآخر، وتوظيف الجانب الطائفي؛ لخدمة مصالحها في العراق؛ لتأتي القراءة الدقيقة لتلك الأحداث، تؤكد على استعداء بعض رموز السنة في السلطة؛ من أجل إنهاء دورهم السياسي.
من قراءاتي التي لا أنساها أبداً؛ لما لها من مدلول على الأوضاع السياسية في العراق، وطبيعة المخططات المرسومة له، والتداعيات الخطيرة للأحداث، والتي تنذر بخطر الانفجار الطائفي، ما أشار إليه - الكاتب العراقي - وليد الزبيدي، حين وصف الصورة قائلا: «إلا أن مظاهر الاحتقان، والعنف الطائفي، أخذت بالتصاعد مع المراحل التي مرت بها العملية السياسية، بعد أن تم تشكيل مجلس الحكم - منتصف يوليو - 2003م، على أساس عرقي، وطائفي؛ ليؤسس لأولى لبنات الطائفية السياسية في العراق، وجاءت الاتنخابات الأولى التي جرت في: 30-1- 2005م، والانتخابات الثانية التي جرت في: 15- 12- 2005م؛ لتثبت مرتكزات الطائفية السياسية في العراق، من خلال اعتماد القوائم الانتخابية، التي تمثل الطوائف، والأعراق في العراق، وحصلت عملية تثقيف طائفي من قبل الطرفين -الأحزاب السنية والأحزاب الشيعية-، كما لم يشهده العراق من قبل. وجاءت نتائج الانتخابات على تلك الأسس، التي اعتمدت الولاء قبل الكفاءة، والانتماء للطائفة قبل التفكير بمصلحة البلد العليا، ومستقبل الأجيال، وانعكس ذلك على تشكيلة الحكومة، الأمر الذي جعل من الطائفية السياسية، العنوان اليومي في حياة العراقيين».
هناك جهات - بلا شك - تغذي حالات الاحتقان، وتدفع الأمور باتجاه الصدام، ومن الخطورة بمكان الانجرار خلفها. فالممارسات الطائفية، أو إقصاء مكوّن من مكوّنات المجتمع العراقي، أو تغييب فئة من فئاته، مدان بالإجماع. ولذا فإن تحمل المسؤولية، تستوجب إدانة أية ممارسة تغذي احتمالات المواجهات الطائفية، وإطفاء نار الفتنة الطائفية، ورفض الأطروحات التي يتبناها العدو المحتل. خصوصا وأن العراقيين يتذكرون جيدا سنوات العنف الطائفي بين عامي: 2003م -2009 م، وهم لا يستطيعون إخفاء مخاوفهم مما قد يحمله قادم الأيام.
ما يحدث في العراق من نزاعات داخلية، سيجعل البلد عرضة لمزيد من التدخل الخارجي في شؤونه، كما أن استمرار تفتت الجبهة الداخلية، سيشجع من يريدون التدخل في شؤون البلاد، وهذه الحقيقة هي التي عبّر عنها - وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري قبل أيام، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن مثل هذه الممارسات، ستفتت العراق إلى كينونات صغيرة، تهدد أمن دول مجاورة لها، وتلك جريمة في حق الأمة، يجب على الأقل احتواءه، أو تأجيله، وهو ما يقتضيه استخلاص العبرة من التاريخ القريب والبعيد.
خلاصة القول في هذا الشأن، آمل أن يعي السياسيون العراقيون خطورة الوضع ؛ حتى لا تنجر أطراف المعادلة السياسية إلى حرب لا يستطيع أحد التكهن بنتائجها، وما ستؤول إليه، أو إعطاء السلطة العراقية بعداً طائفياً من لون واحد وحول العراق، وهذا ما عناه الأمير تركي الفيصل قبل أيام، في مؤتمر «الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية.. رؤية من الداخل»، والذي نظمه مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية، والدولية، والطاقة في الفترة من 17 إلى 18 يناير الجاري. بأن العراق كان فاعلاً رئيساً في معادلة التوازن الإقليمي الخليجي، لكنّ إخراجه منها بسبب الغزو الأمريكي الخاطئ له، أخلّ بهذه المعادلة الضرورية؛ لاستقرار الوضع الإقليمي ، وأُتيحت لقيادة إيران فرصة ؛ للشعور بتفوق إستراتيجي عملت على استغلاله؛ باستخدامها لعامل الطائفية البغيض؛ من أجل إبقاء العراق في وضع استقطاب طائفي، يهمش دوره، ويجعله أداة من أدوات سياستها الخارجية؛ بل تابعاً لها. وهي الرسالة التي أراد إيصالها عندما قال: «خرج الأمريكيون منه، وبعد أن اعتقدنا أن القادة العراقيين، قد حققوا بعض التقدم في إعادة بناء الدولة العراقية؛ ليعود العراق مستقلاً، وفاعلاً إيجابياً في محيطه، وإقليمه. وأن ديدن قادته، سيكون المصالح الوطنية للعراقيين النابعة من الوطنية العراقية، التي هي طموح العراقيين، نرى أن الطائفي في تفكيره، لا يمكن أن يكون وطنياً في فعله، وبالتالي فإن الأوضاع في العراق سوف تسوء، وهذا ما لا نتمناه».
drsasq@gmail.com