المتابع لشأننا المحلي الاجتماعي الثقافي يلحظ بروز أفراد يجلجلون بأصوات عالية خاوية في كثير من مناحي الحياة، خصوصاً مع تعدّد وتنوّع المنابر الإعلامية. هؤلاء المجلجلون لديهم جماهير عريضة من الأتباع المعطّلة عقولهم الذين لا يعلمون أنهم إنما يشترون الوهم من أصحابهم المجلجلين. المجلجلون لا يجيدون سوى المهاترات ورفع الصوت وخلق البلبلة والشك في نوايا الآخرين.
من جهة أخرى يفتقد المجلجلون العمق الثقافي والثراء الفكري، ولذا فسرعان ما يخبو الضوء عنهم بعد كل جلجلة، ولكنهم يعودون بقوة إلى الضوء مرة أخرى عبر فرقعات إعلامية وتهريج لا ينطلي إلا على البسطاء والسذّج من الناس. في المجتمعات المتحضّرة لا يجد المجلجلون سوقاً رائجة لبضاعتهم لأن الناس هناك في تعاملاتهم الحياتية قادرون فكرياً على التمييز بين الحقيقة والوهم، أما هنا في مجتمعنا فالمجلجلون يجدون - للأسف - سوقاً رابحة لتسويق هرطقاتهم، بل إنهم يقدّمون أنفسهم لنا بصفتهم موجهين للرأي العام مستغلين وقوف الدهماء خلفهم. لن يختفي المجلجلون من مشهدنا الاجتماعي الثقافي التعليمي إلا إذا أصبح لدينا تعليم يخاطب عقول الأفراد وينمي لديهم القدرة على ممارسة مهارة التفكير العقلاني الناقد ليصبحوا أقدر على فرز الغث من السمين.
أستاذ التربية بجامعة الملك سعود