لفت انتباهي وأنا أواكب الحضور الثقافي خلال معرض الكتاب الذي أُقيم في بيروت مؤخراً كتاب من حيث الشكل والعنوان، فيه الكثير من التميز، وضعته «الدار العربية للعلوم» ناشرة الكتاب مع دار «الناشر العربي الدولي» ضمن حيز من جناحها مخصص لأحدث الإصدارات، للمؤلف الأستاذ فؤاد مطر، الكاتب السياسي في صحيفة «الشرق الأوسط» وصحيفة «اللواء».
عنوان الكتاب «أمر الله.. يا عبدالله» يتوَّج بصورة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وهي الصورة المطبوعة في ذاكرتنا ووجداننا للملك بغترته البيضاء وابتسامته التي تبعث الطمأنينة في نفوسنا. لكن الذي لفت انتباهي أن العنوان المتميز أيضاً من حيث معناه مقرون بعنوانين، أحدهما لم يقتصر على اللقب الرسمي للملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو «خادم الحرمين» وإنما أتبع المؤلف اللقب بعبارة «حارس الأمتَيْن». أما العنوان الثاني الذي أخذ مكانه تحت صورة صاحب المقام، وبحرف بارز، فهو «عزم وتوكل.. حاول ويُعذر».
بمزيد من الحرص قرأت الكتاب قبل أن أتباسط مع مؤلفه الصديق في شأن دوافع التسمية، وخصوصاً أن الكتاب هو الأول من ثلاثية حول «النهج السعودي في ترويض الأزمات والصراعات».
وكان لا بد لي من استفسارَيْن أو توضيحَيْن، طلبتهما من المؤلف من منطلق صداقتي به، فضلاً عن موقعي سفيراً للمملكة، يعتز بأن الكتاب الأول عن تجربة الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - صدر من بيروت، ومن كاتب لبناني له في نفوس أبناء المملكة كل التقدير. وهما أولاً حول التسمية وطبيعة الإهداء، وثانياً حول الجزءَيْن المتبقيَيْن من ثلاثيته. ولقد أوضح لي أن إضافة صفة «حارس الأمتَيْن» إلى صفة «خادم الحرمين» هي إضافة يعتز بها كل سعودي وعربي ومسلم. كما أوضح أن تسمية الكتاب «أمر الله.. يا عبدالله» تتصل برؤيته، بوصفه مؤلِّفاً، بأن كل ما نفعله خيراً هو ما يريده الله لنا، كما أنه سبحانه وتعالى يريد لكل امرئ من عباده الخير والنأي عن عكسه. وبالنسبة إلى خادم الحرمين الشريفين فإن كل ما أنجزه على صعيد التغيير والتطوير وخير الأمة العربية هو ما يريده رب العالمين منه، وأنه في ذلك «عزم وتوكل.. حاول ويُعذر»، كما هو العنوان المكمِّل للعنوان الرئيسي. مضيفاً بأن اسم خادم الحرمين الشريفين ساعد على صياغة العنوان؛ حيث جاء اللفظ بإيقاع ملحوظ: «أمر الله.. يا عبدالله».
بالحديث عن مضمون الكتاب لا يملك قارئ مهني سوى الإشادة بمنحاه التوثيقي، وبطريقة المؤلف في الفهرسة؛ حيث إنه لم يكتفِ - كما هو مألوف - بوضع عنوان الفصل ورقم الصفحة، وإنما اختار من مضمون صفحات كل فصل عناوين تشكِّل ما يجوز وصفه بأنه دليل إلى محتويات الفصل، وبذلك يساعد القارئ على أن يعرف تماماً أي مادة تهمه أكثر من غيرها. وقد أخذت مادة الفهرست من الكتاب 15 صفحة، وهو رقم قياسي وخروج عن المألوف، لكنني لا أخفي إعجابي بهذا المنحى؛ حيث إنني من خلال مضامين الصفحات الخمس عشرة بتُّ بوصفي قارئاً أحيط بما يعالجه الكتاب، وازداد حرصي على أن أقرأ بالتفصيل ما حوته عناوين الفهرست بإيجاز.
أما بالنسبة إلى فصول الكتاب فهي من النوع الذي يؤكد أن التجربة السعودية في معالجة الأزمات العربية والإقليمية والدولية جديرة بأن يُلقَى عليها الضوء، ويبدو جلياً في غالبية الفصول أن دور الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري - رحمه الله - في ملازمته ثلاثة عقود للملك عبدالله بن عبدالعزيز، والعلاقة المتميزة التي جمعته بالأستاذ فؤاد مطر، كانا أساسيَّيْن في جمع مادة الكتاب؛ حيث إن المؤلف كان - على حد ما سمعته منه شخصياً - يختزن ما يسمعه من الشيخ التويجري أثناء حديثه عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كما أنه أحياناً كان يستفسر من الشيخ عن بعض الأمور الملتبسة بغرض توضيحها، وبخاصة فيما يخص تطلعات الملك عبدالله بن عبدالعزيز بوصفه ولياً للعهد، ستضعه الأيام الآتية في قمة القيادة، بالنسبة إلى ما يجول في خاطره إزاء معالجات لا بد منها لتنقية بعض الحالات السياسية والاجتماعية. وتأتي الإجابات لتشكِّل المزيد من الإثراء إلى ما هو مختزن.
وإلى الشيخ التويجري لاحظتُ كيف أن فؤاد مطر يحفظ بالكثير من التقدير شروحات وتوضيحات طالما سمعها خلال جولات أفق له مع الشيخ ناصر المنقور يوم شغل أبي أحمد - رحمه الله - منصب السفير في لندن.
وسط هذا المناخ نضجت في عقل المؤلف فكرة ما أسماه «النهج السعودي في ترويض الأزمات والصراعات»، منطلقاً من أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز هو الرمز لهذا النهج، وموضحاً أن الخطوات التي رافقت المسؤولية الكبرى للملك عبدالله بن عبدالعزيز في سنوات ولاية العهد، وبخاصة خلال سنتي توعُّك أخيه المغفور به - بإذن الله - الملك فهد بن عبدالعزيز، جعلت منه منذ أن تسلم دفة القيادة رباناً في غاية المهارة، يعمل من خلال الحكمة والحنكة على ترويض كل ما يستجد من أزمات، وفي الوقت نفسه يعلي البناء المتين في الداخل على مبدأ التصويب والتنوير؛ ما يجعل البناء - وهو هنا الكيان دولة وشعباً - أكثر تماسكاً؛ وبالتالي أقوى عزيمة على مواجهة التحديات.
ويجد قارئ كتاب الأستاذ فؤاد مطر نفسه مأخوذاً في كل فصل من الفصول بهذه الإحاطة بالتجربة السعودية ماضياً وحاضراً من جانب كاتب غير سعودي، حتى يصل في ختام الكتاب ذي الـ461 صفحة إلى فصل الوثائق، التي تعزز تصنيف المؤلف لدور المملكة في حديثه عن النهج السعودي في ترويض الأزمات والصراعات.
ولأن إهداء كل كتاب يُعتبر عصارة أفكار وأحاسيس الكاتب فلقد اختار الأستاذ فؤاد مطر لكتابه الإهداء اللافت الآتي:
إلى الجيل الحالي والأجيال التالية في الأمتَيْن؛ لكي يعرفوا ويتأملوا كيف أن الزمن الجميل الذي يعيشون فيه بناه أسلاف صالحون بالمكابدة وشظف العيش والفروسية المتلازمة مع المبدئية وإراحة الضمير ومخافة رب العالمين، إلى جانب السير على الصراط المستقيم، ومن هؤلاء البناة كان الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الذي أهدي هذا العمل إلى روحه.. طيب الله ثراه.
أما لماذا إلى روح الملك عبدالعزيز فلأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يبدو فيما أنجزه، وينوي إنجازه، يضيف المزيد إلى ما بناه والده الطيب الذكر، وسار على خطاه أبناؤه، كل وفق أسلوبه، مع فارق أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز وجد مع توليه دفة القيادة أن المسؤولية الملقاة على عاتقه هي أن ينقل المملكة إلى مرحلة جديدة بعد مضي سبعين سنة على توحيدها على يد والد لطالما كانت وصيته لأبنائه هي أن يعودوا إلى الله في الرخاء ليجدوه في الشدة. وحيث إن الإعصارات تهب على العالم من كل حدب وصوب فإن مهمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز فيما يقوم به عزماً فتوكلاً هي مهمة جليلة، وهو على نحو ما يقوله الأستاذ فؤاد مطر «عزم وتوكل.. حاول ويُعذر»، وكأنما يريد استحضار القول الطيب بأن لعامل الخير أجراً إذا تحقق عمله، وأن له بدل الأجر اثنين في حال لم يحالف السعي ما هو مأمول.
في الختام، وإن كنتُ قد شكرتُ المؤلف على جهده الكبير في البحث والتأليف، وهنأته على دأبه وعمق تحليله، فإنني أود في هذا المقام أن أهنأه مرة ثانية بالتعبير عن السرور الذي تملكني نتيجة الإقبال الكثيف الذي لاحظته في المعرض للحصول على نسخ من الكتاب، كما لا أرى مانعاً من القول إن السفارة في بيروت تلقت الكثير من الاتصالات من صحفيين ومفكرين، طلبوا أن يحصلوا على الكتاب أيضاً، وهذا إن دل على شيء فعلى المكانة المرموقة التي يحتلها خادم الحرمين الشريفين، والتقدير الذي يحظى به مقامه الكريم على المستويَيْن العربي والدولي؛ لما بذله ويبذله من جهود، وما قام به من مبادرات صادقة، حظي لبنان وشعبه الشقيق بالكثير منها. وكتاب الأستاذ فؤاد مطر الذي نتناوله هو تحية من تحيات الوفاء التي يبادلها لبنان وشعبه للملك عبدالله بن عبدالعزيز أمد الله بعمره.
وجُلُّ ما أتمناه هو أن يحظى هذا الكتاب القيّم بما يستحقه من اهتمام وترجمة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية؛ لأنه مرجع أكاديمي مرموق، يستحق أن يصل إلى القارئ العربي، وأن يحقق أوسع انتشار، وأن يحتل مكانه في مكتبات الجامعات والكليات والمعاهد في مملكتا الحبيبة؛ ليكون مرجعاً وثائقياً يُستفاد منه حاضراً ومستقبلاً.
(*) سفير المملكة العربية السعودية في لبنان