لا يقاس عمر الإنسان بعدد سنينه.. وإنما يقاس بما قدم لنفسه ولمجتمعه، فكم من شخص عمَّر عشرات السنين وقضاهن وهو يعيش لنفسه فقط ونظره قاصر عند قدم مصلحته الشخصية وكم من إنسان عاش سنوات معدودات ولكنه عاش لنفسه ولمجتمعه، فكيف إذا اجتمع للإنسان سنين طويلة قضاهن في خدمة مجتمعه وتنميته..
هذا هو الطراز الفريد من الرجال..
ومن هؤلاء: الشيخ عبد العزيز العبد العزيز المنقور الذي ودعته جموع المصلين والمشيعين والمحبين يوم الخميس 3-3-1433هـ بمدينة الرياض في مثواه الذي نسأل الله أن يجعله عليه روضة من رياض الجنة..
لن أتحدث عن سيرة الشيخ عبد العزيز - رحمه الله - الذاتية ولن أستطيع أن ألم بكل مناقبه.
ولكني أسوق هذه الجملة لعلها تختصر الزمان وتزوي سعة المكان للتعرف على شخصيته - رحمه الله - وخاصة لمن لم يسبق له معرفة الشيخ عبد العزيز فليس شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق.. نعم فقد حبا الله الشيخ عبد العزيز بحسن الخلق من بشاشة ولين جانب، وحب صادق، ووفاء أصيل، وكرم وافر، وابتسامة تفاؤل، فإذا جلست معه ستجد نفسك بداخل جامعة كثيرة الأقسام والتخصصات، وستجد رحابة صدر وهدوءاً وأسلوباً راقياً ورائعاً في التحدث والاستماع والحوار، وتتفاجأ بأن ما لديك من معلومات هي بحاجة لتصحيحها أو تأكيدها من لدن هذه الجامعة ولا غرابة في ذلك!
فالشيخ عبد العزيز - رحمه الله - منذ صغره حتى وافاه الأجل وهو باذل نفسه وماله وجاهه لخدمة مجتمعه ومن جلس معه لا يمل مجلسه ولا يريد فراقه بل يغلب الجلسة معه والاستفادة منه على أعماله الخاصة، فلدى الشيخ عبد العزيز معلومات تاريخية نادرة ومقابلات مع ولاة الأمر وتجارب، ومخاطبات، وعلاقات مع كل المستويات.
أما كرمه - رحمه الله - فكرم شامل ومضرب مثل في كرم الضيافة والبشاشة، وكرم بذل النفس والجاه لكل واحد، وأفضل وأمتع اللحظات لديه عندما يقضي حاجة لأحد.
الشيخ عبد العزيز - رحمه الله - قضى حياته في السعي الحثيث لتطوير منطقته منطقة سدير عموماً ومدينته حوطة سدير خصوصاً فالوزارات والدوائر الحكومية تعرفه وتعرف ما يريد..
ومن عجائب اهتمامه - رحمه الله - عندما تجلس بجواره تتحدث معه في أمور عادية فإنه يستمع ويتفاعل فإذا نقلت الحديث إلى تطوير سدير وتنميته قرب منك أكثر وحرك سماعة أذنه وكأنه يقول: هذا أمر مهم.. وكان يرحمه الله يوصي جميع العاملين في ميدان التطوير والتنمية بالصبر والاستمرار والتفاؤل، ومع ما للشيخ من منزلة ومكانة وعلاقات مع الخاصة والعامة إلا أنه مثل رائع في التواضع والتبسط والهدوء والحكمة وبعد النظر.
فهو مرجع للاستشارات والتوجيه، فالناس يردون إليه ومنه يصدرون في حاجاتهم واستشاراتهم.
وهو لا يقصر معهم وكأنه يغرف من بحر.. يسعى بلا كلل ولا ملل متخطياً تقدم العمر والمرض ومشاغله الخاصة للمطالبة بمشاريع تنموية وحضارية.. ويكتفي بأن يتم الأمر وإن نسب النجاح لغيره.. لقد قام الشيخ عبد العزيز بجهود بجهود عظيمة لا يصدق المرء أن رجلاً واحداً قام بها وحده ولكنها الهمة والعزيمة.
يقول الشاعر أحمد الناصر في وصف بعض الرجال وهذا الوصف ينطبق على الشيخ عبد العزيز المنقور وكأن الشاعر يقصده هو.
يقول الشاعر:
فيه رجل يحل المشكلة والسبايب
كل ما حملوه الواجبات احتملها
واقف للزوم ومرتكي للنوايب
والحمول الثقيلة مالها إلا جملها
فيه من هو إذا كبرت عليك المصايب
ساق وجهه وجاهه لك ونفسه بذلها
فيه من هو يحل المشكلات الصعايب
أصغر أفعاله الجزلات ما حد فعلها
الشيخ عبد العزيز أعطي فشكر وابتلي بمرضه فصبر، ودَّع الدنيا بجسده وبقي ذكره الطيب وسيرته العطرة تملأ المكان مسكاً ورياحينا.. يستمتع بهذا العبق الفواح الجميع ومحبوه أكثر..
يقول الشاعر:
فقد أبلت الأيام كعبا وحاتما
وذكرهما غض جديد إلى الحشر
ويقول آخر:
إن الثناء ليحي ذكر صاحبه
كالغيث يحي نداه السهل والجبلا
أسأل الله أن يستجيب ما دعي لك وأن يتغمدك في واسع رحمته وإنا على فراقك يا أبا أحمد لمحزونون..