كتب - محرر الوراق:
لا يستطيع الباحث في تاريخ نجد (وسط الجزيرة العربية) أن يستكمل فقرات حديثة دون الوقوف عند الدور الريادي والمهم للمسجد فأدواره كثيرة لا تقف عند أداء الصلاة وسماع الخطبة بل كان له دوركبير إذ إنه الملتقى الرئيس لأهل البلدة في مواقف كثيرة، ومناسبات متعددة، وفي المساجد والجوامع سابقا كانت تتلى الأوامر والقرارات التي تأتي من الإمام في الرياض.
وليست بلدان سدير بخارجة عن النص في هذا المجال ففي كل بلدة من سدير يؤدي المسجد الدور المهم والمطلوب منه، كما أن المسجد يختلف دوره من بلد إلى بلد بحسب طبيعة هذا البلد وأهله، وكذلك الطراز المعماري للمسجد قد يختلف من بلد إلى آخر.
ومن المساجد التي تميزت بشكلها المعماري وتميزت بقدم بنائها جامع بلدة الداخلة بسدير (محافظة المجمعة حالياً) فقد وصف هذا المسجد غير واحد من علماء الآثار بأنه مسجد متميز ليس على مستوى سدير فحسب بل على مستوى منطقة نجد بأكملها.
لا يوجد له مثيل في نجد!!
وقبل أكثر من خمس عشرة سنة قام فريق من الباحثين والمختصين بالآثار بإعداد تقرير عن الآثار في محافظة المجمعة والمراكز التابعة لها، وجاء في أول التقرير: يعد وادي سدير الذي يقع شمال غرب الرياض العاصمة والمعروف قديما باسم وادي الفقي من أبرز المعالم الطبيعية والأثرية والتاريخية في محافظة سدير ففي كتب الجغرافيين العرب الأوائل إشارات واضحة ونصوص صريحة تدل على أهمية هذا الوادي وعلى الأشجار التي نمت على ضفافه والبلدان التي نشأت حوله.
وجاء في هذا التقرير الذي نشرته مجلة أطلال المجلة الأكاديمية والمتخصصة في الآثار في عددها السادس عشر: الصورة المتوفرة لهذا الجامع وما بقي منه توضح على أن طرازه المعماري فريد حيث إن شكله وتصميه لا يوجد مثيل له في سدير وربما في نجد كلها.
إنما يؤسف له هو هدم أجزاء من الجامع بواسطة البلدوزر، فقد هدم بيت الصلاة والجزء الجنوبي من المسجد تماماً.
وبعد ذلك قدم الباحث سعود الشويش رسالة علمية بجامعة الملك سعود تحت عنوان المساجد القديمة في وسط المملكة العربية السعودية، «دراسة أثرية معمارية» وجاء فيها عن جامع الداخلة هذا:
يقع هذا الجامع في القطاع الشرقي من البلدة وإلى الغرب منه يقع قصر الإمارة، أو ما يعرف بقصر الحكم وبهذا الجامع مئذنة دائرية الشكل ومنفصلة عن التكوين المعماري له.
والجامع عبارة عن مبنى مستطيل الشكل تحيط به ثلاثة شوارع من الناحية الجنوبية والناحية الشرقية والناحية الغربية أما الشمالية فهناك عدة منازل ملاصقة له ولهذا الجامع ثلاثة مداخل رئيسة، الأول يقع في الضلع الشرقي وبالتحديد في الزاوية الشمالية الشرقية للجامع، والثاني يقابله في الضلع الغربي أي في الزاوية الشمالية الغربية، والثالث يقع أيضاً في الضلع الشرقي وبالتحديد في الزاوية الجنوبية الشرقية.
وجميع حوائط هذا الجامع مبنية من الطوب اللبن والطين وبعضها مغطى بطبقة من اللياسة الطينية والجص وقد استخدم الحجر في أساسات هذه الحوائط وفي الأعمدة وكمرات العقود.
وصف الجامع من الداخل
يتكون هذا الجامع من أربعة أروقة يتوسطها صحن مكشوف تبلغ مقاساته الضلع الشمالي 10.00م والجنوبي 8.40م والشرقي 17.10م والغربي 19.00م وأكبر هذه الأروقة رواق بيت الصلاة الذي يتكون من بلاطتين موازيتين لجدار القبلة، يفصلهما عن الخلوة حائط من الطوب اللبن والمغطى باللياسة الطينية وبهذا الحائط أو الجدار ثلاثة أبواب من الخشب.
أما بالنسبة لحوامل المصاحف وهي عبارة عن قطع من الأحجار الرقيقة في شكل صفائح غير منتظمة الشكل توضع في بدن العمود وتحت التاج مباشرة وتغطى بطبقة من اللياسة الجصية.
الرواق الجانبي الشمالي
ويتكون هذا الرواق من بلاطة واحدة عمودية على جدار القبلة يبلغ عرضها 2.50م وطولها 19.40م أي بمساحة إجمالية تبلغ 48.5م وهي محصورة بين الحائط الشمالي للجامع وصف من الأعمدة المطلة على السرحة يبلغ عددها ستة أعمدة، ويفصل هذا الرواق عن رواق القبلة جدار به شباك مستطيل الشكل للإنارة والتهوية.
الرواق الجانبي الجنوبي
ويتكون هذا الرواق من بلاطة واحدة عمودية على جدار القبلة يبلغ عرضها 2.00م وطولها 8.40م أي بمساحة إجمالية تبلغ 16.8م.
الرواق الخلفي الشرقي
يتكون هذا الرواق من بلاطة واحدة بطول 23.30م وعرض 3.00م أي بمساحة إجمالية قدرها69.90م وهذه البلاطة موازية لرواق القبلة وهي محصورة بين جدار الجامع الشرقي وصف من الأعمدة المطلة على السرحة ويبلغ عددها اثني عشر عموداً.
السرحة (الصحن)
عبارة عن فناء مكشوف تحيط به الأروقة الأربعة من كل اتجاه وهو شبه مستطيل حيث تبلغ مقاسات أطوال أضلاعه كالتالي الضلع الشمالي 10.00م والضلع الجنوبي 8.40م والضلع الشرقي 17.10م والضلع الغربي 19.00م وطول أوتار الصحن من الزاوية الشمالية الغربية إلى الزاوية الجنوبية الشرقية 19.00م ومن الزاوية الشرقية إلى الزاوية الجنوبية الغربية 19.50م.
وقد استخدم هذا الصحن للصلاة في أوقات الصيف والشتاء حيث يوجد محراب في الجهة الغربية منه صغير متآكل بأسباب الأمطار والرياح مبني من الطوب اللبن والطين ويقع أمام العمود السادس المطل على الصحن من رواق بيت الصلاة الرئيسي وخلف هذا المحراب في اتجاه الشرق جدار صغير ارتفاعه 0.40م وطول 2.70م مبنى كمسند لظهور المصلين أثناء انتظار إقامة الصلاة.
ويوجد في هذا الصحن أحجار مصفوفة إلى جوار بعض في خط مستقيم وتأخذ لونين الأولى سوداء والثانية بيضاء وهكذا بالتناوب وتستخدم مزولة لمعرفة الوقت، الخط الأول يقع خلف المحراب الذي في الصحن أي في زاويته الشمالية الغربية ويمتد باتجاه الشمال الشرقي ويستخدم لمعرفة دخول أوقات الصلاة في فصل الصيف، أما الخط الثاني فيقع خلف الحائط الذي يستخدم كمسند لظهور المصلين في زاويته الجنوبية الغربية ويمتد باتجاه الشمال الشرقي وذلك لمعرفة أوقات الصلاة في فصل الشتاء.
الخلوة:
مبنى مستطيل الشكل يتقدم رواق القبلة وتبلغ مقاساته 6.50م × 20.25م أي بمساحة إجمالية تبلغ 131.62م2 ويميزها عن غيرها من المساجد المجاورة في نفس الإقليم أنها غير محفورة في الأرض، وإنما بنيت بنفس مستوى الجامع وربما كانت تستخدم في صلاة الجمعة في فصل الشتاء وفي فصل الصيف، وتندمج مع ما خلفها من تكوين معماري بحيث تصبح قاعة الصلاة الرئيسة حيث تفتح الأبواب كلها ويتم الاتصال وسماع صوت الإمام عن طريقها وتتكون مساحة هذه الخلوة من بلاطتين موازيتين لجدار القبلة يفصل بينهما صف من أساطين الأعمدة يبلغ عددها 8 تحمل فوقها تسعة عقود مدببة ويلاحظ في أضلاع هذه العقود المدببة الانبعاج قليلاً وذلك ناتج من قصر الكمرات.
ويلاحظ في صف الأعمدة التي تفصل بين البلاطتين وجود حوائط في أطرافها حيث يبلغ طولها من الناحية الشمالية 2.00م وغير ملتصقة بالحائط ومفصولة عنه بواسطة فتحة يبلغ اتساعها 0.40م وذلك لتسمح بتحرك الأشخاص من خلالها والانتقال من صف إلى الذي أمامه دون المرور من أمام المصلين، وفي جدار القبلة حائط الجامع الغربي يوجد محراب ومنبر غريب الشكل والطراز حيث يبلغ ارتفاع المحراب 2.10م وعرض اتساع فتحته من المنتصف 0.80م في الأسفل 0.92م ويضيق الاتساع في الأعلى حتى يصل إلى 0.30م ويبلغ عرضه 1.10م أما المنبر والمفصول عن المحراب تماما فإنه في الأسفل يبلغ عرضه 0.50م ويبلغ اتساع فتحته في المنتصف 0.70م وفي الأعلى 0.50م ويبلغ ارتفاعه 1.33م ويتكون هذا المنبر من ثلاث درجات من الحجر المشذب ويحيط بهذا المحراب والمنبر إطار من اللياسة الجصية الخشنة.
وفي زاوية هذه البلاطة من الناحية الجنوبية أي على يسار المصلين مبنى مربع الشكل صغير ويقع في الزاوية الجنوبية الغربية للجامع وبه باب صغير يفتح إلى الناحية الشرقية وتبلغ مقاساته: الاتساع 0.50م وارتفاعه 2.10م قد أفاد إمام الجامع سابقاً أنه يستخدم كمخزن صغير للمصاحف وفرش للمسجد الذي كان يستعمل في ذلك الوقت.
الأسقف في جامع الداخلة:
بعد تفحص الأسقف في هذا الجامع يتضح لنا أن جميعها تتكون من أخشاب الأثل الذي يوضع في اتجاه رأسي على جدار القبلة بالنسبة لرواق بيت الصلاة والخلوة والرواق الخلفي وذلك لأن سلاسل العقود تتجه موازية لجدار القبلة.
وصرفت مياه هذه الأسقف بالنسبة للأروقة الثلاثة الغربي والشمالي والجنوبي على السرحة بواسطة ميازيب خشبية مصنعة من خشب الأثل، أما الرواق الشرقي فإن مياه الأمطار تصرف إلى الشارع مباشرة بواسطة ميزاب خشبي طويل مائل إلى الأسفل لتجنب إيذاء المارة من مياه الأمطار في الشارع.
السلالم في جامع الداخلة:
يوجد في جامع الداخلة ثلاثة سلالم حيث تعد عناصر اتصال وحركة في هذا الجامع وجميعها تؤدي إلى سطح رواق القبلة الذي يعد أكبر سطوح الجامع حيث كان يستخدم للصلاة فيه في فصل الصيف في وقت المغرب والعشاء والفجر واثنان من هذه السلالم تقع في داخل الجامع ويقعان في زاوية بلاطة المسجد المطلة على السرحة حيث يقع الأول في زاوية البلاطة من الناحية الشمالية الشرقية، والآخر يقع في زاوية البلاطة الجنوبية الشرقية ويلاحظ أن هذين السلمين سابقين على بناء هذه البلاطة لأنهما يخترقان سقفها وأيضاً اقتطاعاً من مساحة البلاطة نفسها في الزوايا، أما السلم الثالث فإنه يقع خارج المسجد في الضلع الغربي ويؤدي إلى سطح المسجد مباشرة من خلال الشارع الغربي للجامع.
المئذنة
إلى جوار جامع الداخلة مئذنة دائرية الشكل وهي مخروطية حيث يكون قطرها واسعاً من أسفل ويقل هذا الاتساع كلما ارتفع البناء في بدن المئذنة إلى أعلى، وهذه المئذنة مفصولة عن الجامع بواسطة شارع وتقع إلى الغرب منه وبالتحديد مقابل الركن الشمالي الغربي لتكوين الجامع، وبنيت على حافة جبل يقابل هذا الجامع من الناحية الغربية.
ويقع بابها في الجهة الغربية منها ولم نستطع أخذ مقاساته لأنه مغلق بواسطة الرديم وذلك نتيجة الدمار والتهدم الشديد الذي أصابها وأصاب ما حولها من المباني الطينية القديمة وكان هذا التهدم بسبب الإهمال بعد انتقال الأهالي إلى المخططات الجديدة من البلدة فأتلفت العوامل الطبيعية المباني القديمة.
وفي هذه المئذنة من الداخل سلم (درج) من الحجر يؤدي من أسفلها إلى أعلى قمتها وربط بينه وبين حجارة العمود بواسطة مونة جصية وقد وضع في بدن هذه المئذنة نوافذ للإنارة والتهوية لمن يقوم باستخدام هذا السلم ليؤدي وظيفة المؤذن عندما يدخل في بدنها محاولاً الصعود إلى الأعلى ففيها ثلاث نوافذ مستطيلة الشكل من الناحية الجنوبية ذات أعتاب حجرية
المدرسة
يقع في زاوية التكوين المعماري لجامع الداخلة من الناحية الجنوبية الغربية مبنى رباعي الشكل نوعاً ما فيبلغ ضلعه الغربي 4.00م وطول ضلعه الشرقي 2.50م وطول ضلعه الشمالي 5.70م وطول ضلعه الجنوبي 5.60م وفي الضلع الغربي باب في الزاوية الشمالية الغربية لهذا المبنى يبلغ اتساعه 0.80م وارتفاعه 2.03م.
وهذا المبنى استخدم فيه نفس مونة الجامع ونفس الأسلوب في البناء حيث بنيت الأساسات من الحجارة غير المشذبة والمربوط فيما بينها بواسطة المونة الطينية بالارتفاع والسقف فيها يتكون من أخشاب الأثل ويعلوه طبقة من الحجارة المسطحة (الفرش) ثم غطي بطبقة من المونة الطينية يبلغ سمكها في بعض الأماكن 0.22م.
وهي تعد المكان الذي يدرس فيه الطلاب القرآن الكريم وكانت تعرف في وسط نجد باسم الكتاتيب إضافة إلى العلوم الأخرى. انتهى النقل باختصار من رسالة الباحث الشويش حال الجامع بعد هذه القرون.
ومن الطبيعي وبعد هجرة أهالي الداخلة مع سنوات الطفرة إلى العاصمة الرياض أو غيرها من المدن الكبرى بحثا عن الرزق، ومنهم من ذهب إلى المخططات الحديثة، فمن الطبيعي والحالة هكذا أن يتناقص عدد المصلين ومن ثم تتوقف الصلاة في المسجد، ومع مرور الأيام وتعاقب الأمطار وعوامل التعرية أن يؤول هذا المبنى التاريخي للسقوط أو بعض أجزائه، وهذا ما حصل في جامع الداخلة فالذي يراه في السنوات الأخيرة يأسف حين يقرأ تاريخه ويستذكر من مر به من المصلين والمعتكفين.
وفي أواخر العام الماضي (1432هـ) بدأ بعض الأهالي في محاولة للترميم بعضاً من جنبات هذا الجامع العريق، وهي خطوة طيبة إلا أنها توقفت بعد وضع أساسات للمسجد وعناية ببعض أطرافه.
والآن يؤمل أهالي الداخلة (بل المحافظة بأكملها) بأن يلتفت إلى هذا المعلم العمراني المهم وبعض ما جاوره من المباني والمساكن وبخاصة أنها قليلة جدا أسوة ببعض المدن التي قام أهاليها بخطوات مشابهة كان أثرها كبيراً على أهالي البلدة بل وزائريها، وكانت محل تقدير الهيئة العامة للسياحة والآثار.
ويناشد أهالي هذه البلدة كل صاحب قرار وإمكانات بخدمة هذا المعلم المهم الذي لا يختلف اثنان في أن عمره تجاوز القرون السبعة على أقل تقدير، وهم يضعون ثقتهم في الله سبحانه وتعالى ثم في همة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الذي يقف على رأس الهيئة العامة للسياحة والآثار والتي يشاهد الجميع لمساتها في كل معالم الوطني السياحية وآثاره التاريخية في كل شبر من وطننا العزيز. فالاهتمام بهذا الجامع وما جاوره مطلب مهم لكل أبناء سدير الغالية.
العناية بالجامع وما حوله مطلب الأهالي
ومع فرح الجميع بهذه الخطوة الطيبة المتمثلة في البدء بترميم الجامع إلا المتوقع من أهالي بلدان وقرى سدير (محافظة المجمعة) عدم الوقوف عند هذه الخطوة فحسب بل لا تكتمل الصورة إلا بترميم المنطقة المحيطة بالجامع.
وفي حديث للوراق يرى الشيخ مطلق بن عبد الله المطلق أنه لا معنى للاهتمام الجامع وما حوله من المباني أشبهما يكون بالخرائب والمباني المتهدمة، ويؤكد المطلق على أهمية الاهتمام بالمسجد وما حول المسجد من المباني وبخاصة أن عددها قليل ومساحتها صغيرة جداً، ومن الممكن النهوض بالبلدة كاملة إذا ما اهتم الأهالي ومحبو التراث من أبناء المنطقة وتحت المظلة الرسمية التي لن تقصر في خدمة ممثل هذه المشروعات الوطنية.