أولا، يحق لكم أن أعتذر عن خيبة الأمل التي قد تصيب أياً منكم فيما لو كان يتوقع أن يجد في هذه المساحة مقالا رصينا فيفاجأ بقصائد طائشة. فقد اخترت أن أنشر هنا بعضاً من مجموعة قصائد جرى اختيارها للترجمة بعدة لغات مؤخرا فأردت المشاركة بها معكم. وقد جاءني ترشيح الترجمة مرفقا بهذا السؤال، فمعذرة لإزعاج متعمد لسلطة الكتابة الأسبوعية.
ماهي النصائح التي تسديها إلى الموهوبين والموهوبات من الشباب؟
ألا يسمعوا النصائح وإن كان ولابد وسمحوا لأنفسهم بتسلية سماعها فلا بد أن يحاولوا جادين بأن ينسوها. ويصغوا بالمقابل إلى دقات قلوبهم ورفيف أجنحتهم وحفيف أرواحهم وأصوات ضمائرهم ونداءات أحلامهم، و... رنة خلخال الحياة كلما تحرك عقرب الثواني في الساعة أو شهقت اليابسة من شهوة الماء.
قصيدة حدس رقمي
ستة
سبعة
تسعة
ليست تلك رموز رقمية
ليست تواريخ هزائم أو ذكرى انتصار
ليست بإختصار مخل لغة للحساب
تخون مخيلتي
دروس الرياضيات الرتيبة
وحصصها المدرسية المتثائبة
وأنا أخرج من شباك الفصل الموصد
دون أن تشعر المعلمة
إلا برياح رعناء
تخشى أن تعرف مصدرها
أمنح جسدي الناحل
لمفاجآت الرقم ستة
أيام لم تسمى بعد
أسماء لم تسمعها
الملائكة من قبل
كون يتكون للتو
جبال لم تنحني أو تنحت
قلوب نضرة لم يجعدها الغدر
تراب لم تراق عليه قطرة دم
أفراس نهر لم تعقف
قمر لم تنتهك جماله التشبيهات
عروس لم تختطف
شمس لم تبلغ المغيب الأول
إباء لم يروض
وما أن أبلغ السابعة
ألا ويصل اليوم السابع
يطل صباح الجمعة أونهار الأحد
معلنا وقت الراحة
يمنع التجول خارج الأسبوع
تيار صاعق يتلو الآخر
يهدئ روعي من رعشة الاكتشاف
رويدا رويدا
يتخثر المعلوم في دمي شيئا فشيئا
يكاد يتحول إلى عادات معيقة
أمد قامتي على عشب إفتضه
تمرغ العشاق
أصطبح بفجر
أنهكه تكرار الصيف
أصطدم بليل يعرفجه النوم
أطلب ماء تأتيني أواني
ملطخة بأنفاس متخثرة
أسافر تسد الأفق
الحواجز
وتطاردني على مشارفه
لعنة بشرتي السمراء
تنشب المعلمة سنارة
الأرقام في خاصرتي
وتدخلني دون أن استعد
الامتحان
«سمعي» جدول تسعة
تصرخ امرأة حامل
حان مخاضها
تسيل أودية من مضائق حوضها
أهز نخلة
جذعها في التاريخ
وليس إلا ظلال أغصانها في الذاكرة
يبزغ وجود ينقض خبراتي
السابقة
يسخر المجهول مما خلته
أجوبة لأسئلتي
التحق بالمدرسة من جديد
وأبدأ أتهجى رموزا
غريبة على حواس
لم أكن أعلم بتمتعي بها
أجرب الكتابة بحبر حليبي
وبحروف ليست من الابجدية
ستة أيام
سبع سموات
تسعة أشهر
أكتب وأمحو
أكتب وأحلم
أكتب وأتحرر مني
***
قصيدة سهرتي معي
الخامسة فجرا أكون قد استنفذت آخر قطرة
من نهر الليل بكؤوس السهرة معي
لا أريد حينها إلا أن أنام ساعة واحدة
قبل أن يرن جرس منبه الساعة
ويسحبني من رموشي إلى العمل
على غير موعد ودون سابق إنذار
يدق الباب
بالكاد أسمعه فيما يعتصرني النعاس
أغفو
فلا يتوقف طرق الباب
تتسلق القصيدة نوافذي
على حبال أعصابي التي تمتد إليها
خلسة عني
ترش زيتها على أصابعي
وترمي شمعداناتها المشتعلة
على الفراش
فأي حبر يختار الوقت الخطأ
ليخالط دمي دون أن يعلم أنني للتو عدت من البحر
وأقفلت أوردتي على مايكفي من الزبرجد والمرجان والأمواج
أخبؤني مني في ريش الشاعرة
فالرمل لم يخلق إلا لأرشه بالحبر وحدي
نغادر الغرفة معا
لنترك المرأة تخلع ثياب النوم
وترسم صورتها النهارية في المرآة
***
قصيدة حياة موازية
لعلها توأمي أو غريم لدود
في الشارع المقابل تتعقبني
أحكم الغطاء على وجهي
تكشف وجهها
أمشي بمحاذات الجدار أتعثر في خطوي
تمشي في عرض الشارع وتشق البحر
أقضي نهاري بالمطبخ أتفنن في طهو الشموس ورشها بالبهارات
تطلب بيتزا أو تكتفي بلذة الجوع وتتنزه في البراري
أمسح الأثاث قطعة قطعة وأكنس الحجرات
تمضي سحابة نهارها في صحبة القلم
تكتب أسماءنا
أسم تكتبه بالغبار وأسم تكتبه بالزبد
أقبع أمام التلفزيون اقلب القنوات بانتظار عودة زوجي آخر الليل
يلهث العشاق والمريدون خلف غيمة حبرها أو شعلة عطرها
فيما تطارد عطارد والثريا وسهيل خارج المجرة
أحبل ويهتريء مريئي من غثيان الوحم
تمرجح جسدها الرشيق على كرسي هزاز وتهزأ من سمنتي
أمارس الحزم لأقوم بأعباء الأمومة
فاسمع صخبها مع أطفالي يصفر لحنا مرحا عبر الملاعب
أقف منكسة بدفتر الدوام
ترفع رأسها وتنفض شعرها بإباء جياد جامحة
أجلس متصنعة الطاعة تعلج فقرات ظهري رتابة الوظيفة
تتحرك بحرية حبرية في حالة تحليق
البس أثوابا مغلقة إلى أعلى العنق تكتسي ريش فتاة تتزلج على جليد
أنام مطفأة من التعب تفززني الكوابيس
تذهب إلى النوم متأججة بالرغبات وتحلم
أبكي في سري خلف القناع
تسكب جرس ضحكاتها في الانحاء
أشرب قهوة مرة
تشرب كوبتشينو مرشوش بالشوكلاة
تشقق شفاهي من النميمة والتشكي
تبرق شفاهها من القبلات والتبسم
ليس من يحدس تقطري في شعرها
ليس من يلمس حزامها على خصري
ليس من يشم جروحي في أنفاسها
لا من يرى أثر سهرها المبرح على ذبول عيوني
ولا من يحس سعيري في توهجها
تدخل تشات الانترنيت باسمي
فأتخفى بأسماء مستعارة أخرى
خشية أن تكتشف أي منا
شدة الشبه
وعمق الاختلاف
***
قصيدة إن أبصرتني
أبصرك
إلى بدر الحمود
وفريقه من الشباب في العمل السينمائي الجديد
إن أبصرتني أتلمس طريقي على الرصيف
فلا تظنني أعمى
فأنا عدو العتمة العنيد
إن أبصرتني أرهف السمع
فلا تظنني كفيف
فأنا صديق الحركة ضد السكون
إن أبصرتني أملي كلماتي
فلاتظنني لا أرى
فأنا أكتب ببصيرتي مصيرا جديد