- أسلّم بدْءاً بأنني كنتُ حتى عهد قريب لا أعير اهتماماً لما يُعرف بـ(الشبكة العنكبوتية) كما يسميها بعض الفصحاء، أو (الإنترنت) كما هي معروفة (شعبياً) لدى محبِّيها وكارهيها سواء. ثم (أغواني) أكثر من صديق لدخول (بلاطِها) المشحونِ بفنون الكلام، سمينه وسقيمه، فكنت وما برحتُ أجولُ في مجاهلها على استحياء، وفي أوقات متقطعة، لأنّني لم أُرد أن أُفْتنَ بها افتتاناً يوردني شفا (الإدمان) لها كما هو حال بعض من أعرف ومن لا أعرف!
***
- وقد ذكّرتني (زياراتي) المتقطعة لبعض (حواريها) - البريءِ منها والماجن - ذكرتني بـ(ركن الخطباء) في حديقة الهايدبارك اللندنية الشهيرة في (مهرجانها) الخطابي ظهر كل يوم أحد، تدلفها لبضع دقائق، فتدهش حدَّ الذهول مِمّا تسمع من الكلام، جدّه وهزله!
***
- هكذا هي (الإنترنت) أو (هايدبارك) هذا العصر الفضائي العجيب، وأحسب أنها غدت (وجبة) يومية غزيرة بالسعرات، الغني منها والرخيص، يبدأ بها أحدنا صباحَه، ويختم بها مساءه!
***
- وهنا، أؤكد أنني لا أقلِّل من الأهمية المعلوماتية والمعرفية لهذه الشبكة أو أنفي ما يقترن بها من نفع ظاهر وباطن، لكنني في الوقت ذاته لا أستطيع أن أصدَّ ما يرد إلى ذهني من نقد لهذه الشبكة التي تحولت بعضُ ساحاتها إلى (منابر) لهتكِ المعنويات البريئة واغتيال كَرامتِها، وأخصُّ بالذكر هنا بعضَ (خفافيش الظلام) التي تروِّج الأقاويلَ والإشاعاتِ ضدَّ هذا أو ذاك، او تلفِّقُ إدعاءات تمسُّ كرامة هذه البلاد وأهلها، إمّا (إفتئاتاً) صارخاً على الحق والحقيقة، أو (نقْلاً) من بعض مصادر الإعلامِ الآسنِ في أكثر من مكان من هذا العالم!
***
- لقد أضحتْ هذه الشبكةُ نهراً يتدفّقُ في كل اتجاه، ويخترقُ كلّ مكان، بدءاً من المكاتب، مروراً بالمقاهي والبيوت، وانتهاءً بغرف النوم! وتقف على ضِفَّتيْه قوافلُ من (سماسرة) اللغو المباح وغير المباح!
***
- وأرجو الاّ يظُننَّ أحد أنني بهذا الحديث أهمّشُ حرية التعبير، لكن هناك فرقاً بين (عشوائية) الكلامِ المرسَلِ بلا عقْل، وحريةِ التعبير المسْرَجِة بلجَامِ العقْلِ، وأعتقد أن ما لا يُعقلُ من الكلام أولى أن يبقَى في جوف صاحبه، فلكل شيء جادّ حدُّ يبدأُ منه، وينتهي إليه، وما عدا ذلك فلا يُرجَى منه أو له خير!
***
- وما يُقال عن لغو (الإنترنت) وعبثها يتكرر في بعض مّا يُكتبُ عن بلادنا عبر بعض وسائل الإعلام الخارجي، البعيد منا والقريب، وتفصيل ذلك فيما يلي:
***
- أولاً: إنّ بلادنا لم تّدِع الكمال قط في أداء مشهدها التنموي ولن تدّعيه أبداً، فهناك لا شك أخطاءٌ اجتهاديةٌ أفْرزها السباق المحموم مع الزمن لبلوغ مستوى أفضل من الإنجاز يفيد البلاد والعباد، وتتعامل معها جهات الاختصاص على أكثر من مستوى تصحيحاً لها وتصويباً، والقَولُ بغير هذا انكارٌ للحق وتشويه للحقيقة. مذكِّراً في الوقت نفسه بأن الدول مثل الأفراد، تتوقُ إلى الأفضل تأهيلاً وأداءً، وتجتهد في هذا السبيل فتُخطِئُ مرةً وتصيبُ أخرى!
***
ثانياً: أمّا الذين يتقاذفون (جمراتِ) الكلام غير المباح ضد بلادنا، عقيدةً ومنهجاً، سواءً عبر (الإنترنت) المحلية أو العالمية، أو من خلال منابر الإعلامِ المقروءِ منه والمسمُوعِ، فالله يعلمُ، وهم لا يعلمون، أنَّ المسيِّرَ لممارساتِهم الظالمةِ ضد هذه البلاد ليس الإصلاح، بل الرغبة العمياء في (إسقاط) بعض أوجاعهم وأوزارهم فراراً من عذاب التشهير بالنفس، أو هزيمة الفشل، أو تجنّباً لمرارة الإفلاس الفكري والمعنوي، أو لابتزاز غنائمَ من متاعِ الدنيا، عاجلهِ أو آجِله!
***
أخيراً..
إذا كان التعاملُ مع (الإنترنت) أمراً لم يعدْ لنا منه مفرُّ، فإن علينا أن نسْتثمرَ ايجابيّاتِه لصَالحِنا، أمّا الباطلُ منه فغثاء بحرٍ لا يغني من الحق ولا الفضيلة شيئاً!