تتكرر دائماً عبارة «قائد المركبة» في أي شأن من شؤون المرور، فلا تخلو أي توجيهات، أو مطبوعات، أو حملات إرشاد من هذه العبارة التي غالبا ما تقترن بنداء أخوي دائم: «أخي قائد المركبة»، مع تحشيد متوارث لعبارات ووسائل لا تزال قائمة منذ عقود على نحو: «القيادة فن وذوق» «سق بحذر» فالمعنِيُّ بالقيادة هنا سائق السيارة.
ومن هذه الثيمات، التي ظلت متداولة أيضاً هي إدارة «قلم المرور»، ولم أعرف حتى الآن أي سبب لربط القلم بالمرور، أو السير، أو السيارات، أضف إلى ذلك أنها لا تزال من الإدارات التقليدية التي تحتاج إلى تطوير، لاسيما وأن مداخيلها المالية عالية، وتمتلك الكثير من المرافق والكوادر.
كما أننا ننتظر منها حل الكثير من المشاكل المرورية والزحام والاختناقات، ربما آخرها مخالفة بعض سيارات المرور والفرق العاملة معها على نحو سيارات «ساهر» حينما تتوقف فوق الأرصفة.. فمن باب أولى أن تحترم النظام الذي تسعى إلى فرضه وتطبيق لوائحه.
أما النداء المروري: «أخي صاحب المركبة» فإنه يحتاج منا إلى وقفة، أو وقفات تؤصل لفكرته، وتجلو أسباب بقاء هذه التسمية للسيارات وسائقيها، وإن كنا نعرف معنى الركوبة والمركوب ومصادرها واشتقاقها في اللغة أو الاصطلاح.
فالوقفة هنا تأتي بوجهين أو رؤيتين، الأولى منهما الأسلوب الأخوي الذي يظهر العاطفة والتفاعل الإنساني الذي يناقض - رغم أولويته - ما درجت عليه صرامة النظام وواقعيته ووجوب تطبيقه على الجميع، فلا مدعاة أن يستمر النداء الأخوي في وقت تستمر فيه مطالب تطبيق النظام في العمل المروري.
فما فائدة أن تشير بكل شاردة وواردة بعاطفة ما إلى «أخي صاحب المركبة» أو «القيادة فن وذوق» وأنت لا تجد أي تناغم يذكر بين المرور ومعشر السائقين الذين لا يزالون في تجاذب إشكالي مستمر حول قضايا الضرورة والفن والذوق وما إلى ذلك في أمور المرور.
أما الرؤية الثانية في باب «صاحب المركبة» فإنها تتمحور في الهاجس النقدي فحينما يصف المرور سائق السيارة بقائد المركبة، فإن الكثير هنا لا يبتعد عن جوهر اللفظ حينما تشاهد السرعة الجنونية وكأنهم والعياذ بالله قادة مركبات فضائية ينطلقون بها إلى المجهول بسرعة مروعة، لاسيما حينما تكون هذه السيارات بأصوات مزعجة، تعكس ألم وفاجعة النهايات المحتملة لهؤلاء المتهورين في جوفها، فخلع صفة المركبة وقائدها على السيارة وسائقها المتهور في هذه المقاربة المرورية يناوش الحقيقة ولا يبتعد عنها.
hrbda2000@hotmail.com