صوَّب الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب موقف جامعة الدول العربية في معالجة الأزمة السورية الحالية.
صحيح أن الآمال والطموحات العربية، وبخاصة السورية، لم تُنجز، ولم تتحقق كلياً، إلا أنه يُحسب لوزراء الخارجية العرب أنهم أعادوا وضع الأزمة السورية إلى الطريق الصحيح من خلال ما اتخذوه من قرارات، وإن كان البعض يصفها بـ(التوصيات)، إلا أنها سواء كانت قرارات أو حتى توصيات تحمل توجهاً يحمل الكثير من الأمل للسوريين.
هذه التوصيات أو القرارات وإن كررت الصيغ الكلامية السابقة التي تتحدث عن ضرورة الوقف الفوري والشامل لأعمال العنف والقتل كافة للمدنيين السوريين، وأنه حدث أكبر من أن تبرره الأسباب مهما كانت دوافعها، ودعوة القوات المسلحة إلى الرفع الفوري للحصار العسكري المضروب حول الأحياء والقرى السكنية، والامتناع عن القصف ومداهمة الأماكن السكنية، وإعادة الجيش والآليات العسكرية إلى ثكناتها، وتحميل السلطات السورية مسؤولية حماية المدنيين، إلا أن القراءة الفاحصة لما ورد في الفقرة الثالثة من توصيات الوزراء، التي تؤكد الالتزام بالتنفيذ الكامل بقرارات مجلس الجامعة كافة؛ لإيجاد مخرج سلمي للأزمة في سوريا يجنبها مغبة التدخل العسكري، تسبق تأكيد الوزراء وقف جميع أشكال التعاون الدبلوماسي مع ممثلي النظام السوري في الدول والهيئات والمؤتمرات الدولية، وتأكيد سريان إجراءات المقاطعة الاقتصادية، ووقف التعاملات التجارية مع النظام السوري.
ورود هاتين التوصيتين بعد تأكيد تغليب الحل السلمي على التدخل العسكري يجعل من مسألة وقف جميع أشكال التعاون الدبلوماسي مع النظام ضرورة علاجية لإجبار النظام على أن يرتدع، وإلا يصبح معزولاً، وهو ما يجب أن تفعله الدول كافة الحريصة على أرواح الشعب السوري.
ويتعزز التصويب العربي للتعامل مع الأزمة السورية أكثر في القرارين الرابع والسادس؛ حيث أنهت جامعة الدول العربية بعثة مراقبي الجامعة، التي خرجت عن مهمتا الأساسية، وتحولت إلى مهمة (شهود زور)، ووُفِّق الوزراء بتعويض ذلك بدعوة مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار تشكيل قوات حفظ سلام عربية مشتركة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار؛ حتى تتوقف آلة القتل التي نصبها النظام للشعب السوري.
وتتسع دائرة التصويب خاصة بالعمل على فتح قنوات اتصال مع المعارضة السورية، وتوفير الدعم السياسي والمالي لها، ودعوتها لتوحيد صفوفها، وفتح المجال أمام المنظمات العربية والدولية للإغاثة، وكذلك الصليب الأحمر والأطباء العرب؛ لتمكينهم من إدخال المساعدات الإنسانية للمتضررين السوريين، إضافة إلى الدعوة إلى تنظيم حملات تبرعات شعبية لمساعدة الشعب السوري وتخفيف معاناته.
قرارات وتوصيات في مجملها لا بد أن تحرِّك المياه الراكدة لمعالجة الأزمة السورية بعد أن أعاقت التدخلات السلبية لقوى دولية وإقليمية معروفة الجهد العربي لمعالجة الأزمة السورية معالجة سلمية. وإذا وجدت هذه القرارات والتوصيات طريقها للتنفيذ، ولم تعترضها (الدول المارقة)، سواء في مجلس الأمن أو حتى داخل المنظومة العربية، سيكون وزراء الخارجية العرب قد وضعوا الأزمة السورية على طريق الحل من خلال قرارات واضحة، لا تحتاج إلى مرتكزات أو تفسيرات، فقط تحتاج إلى تنفيذ يضع في اهتمامه مصلحة وسلامة الشعب السوري.