أصحو بعد صلاة الصبح فلا أستطيع إغماض عيوني مرة أخرى رغم إحساسي المؤكد بحاجتي الملحة لأن أغفو ولو قليلا.
أقرر أن أخرج من السرير قبل أن أبدأ بفقد أعصابي من محاولات استدراج النوم لساعتين أخريين دون جدوى, وكأن جسدي لايعبأ بالجهد الذي ينتظرني طيلة اليوم أو بآلام البارحة التي لم تبارحني بعد.
لا أتذكر أين قرأت أن النوم كالحبيب اللئيم كلما تعلقت به وأمعنت في طلب قربه تمنع، ولكني أتذكر من أيام المدرسة, أن جبران خليل جبران هو من كتب «أن القراءة دواء لكل حالات القلق من القلق المعرفي إلى قلق العشق وحب الأوطان لمن جافاه النوم أو أضناه الأرق في ليل أو نهار».
لذا لا أعاتب نفسي طويلا على عصيان الجسد ولا أساررها بمخافاتي من غدره بي على حين غرة مرة أخرى حين أقف أمام المرآة لأغسل وجهي وأطلق ماتبقى من طيور شهوة النوم لتطير في حال سبيلها بعيدا عني، بل آخذ بيدي من حالة الأرق وأدخل بطمأنينة ناسكة إلى مكتبتي لأخرج من براثن رغبة النوم نهائيا وأرتمي دفعة واحدة في أحضان أصدقاء لا أملهم ولا يملوني ولم يخطر ببالهم يوما كالنوم أن يجافوني.
وجدت أمامي مباشرة جون أزبن الكاتب الإنجليزي المتمرد «ينظر إلى الخلف بغضب»، فكيف لو رأى الحاضر الغربي برمته وليس البريطاني وحسب يحاول أن يعيد سيرة ذلك الماضي ويستلهم نفس أساليبه الاستعمارية المعفرة لكل جبين حر.
ووجدت بجانبي قريبا من القلب أمل دنقل يمد يده التي لم تتلوث بالمصالحة, مصافحا المستقبل عبر الشارع العربي إلى قلب ميدان التحرير غير عابئ بتلك الهيئة المقلقة التي يتراءى عليها المستقبل في هذه اللحظة الملتهبة الحارقة من عمر الربيع العربي.
فقد كان يرفع شارة النصر بحس الشاعر وشعور المواطن المصري الخبير بخبز الصبر مغموسا بملح الأمل.
أصادف السجين رقم 32 الذي ظل رقما صعبا في الكتب وفي المثال وألقي السلام.
تشدني من ذراعي برومانسية تشبه حنان أم، فاطمة المرنيسي وهي ترسل بصرها نحو نساء على أجنحة الحلم وكأنها تطلب مني الانضمام إلى السرب الأنثوي الباذخ ملء الأفق من المغرب العربي إلى عُمان.
أمر بإصدار وزارة الثقافة والإعلام مؤخرا لموسوعة الشعر الحديث بالمملكة بإشراف من الزميلين العزيزين أحمد قران وأحمد الملا وفيه جهد واضح، غير أنه أسقط من الموسوعة اسمي واسم الشاعر محمد الدميني والشاعر غسان الخنيزي ومن الشعراء الشباب الشاعرة سناء ناصر والشاعرة كوثر موسى والشاعرة نوير العتيبي وربما أسماء آخرى، وذلك على مايبدو لي لأسباب مجهولة؟، ولعلها لا تعدو أن تكون محض خطأ أو مجرد «سهو» ؟! أحييَ على رفوف المكتبة ما لا يحصى من أصدقاء قدامى وجدد, بن حزم يحرك في دمه طوق الحمامة، ليلى عثمان تكتب عن «ليلة القهر»، هدى الدغفق تشق البرقع بشجاعة فردية لنرى بصورة جماعية ولكن كل ببؤبئه الخاص.
غير أني لم أستطع ولم أرغب أن أقاوم الانحياز لأشرعة عبدالعزيز الخضر وهي تأخذني للجج «السعودية دولة ومجتمع» اللجة تلوى اللجة، وكأنني أعيد اكتشاف وطني ليس كعادتي بصحبة تساؤلاتي وقلقي وحدي بل بصحبة بصيرة عميقة ومتساءلة ولا تكتفي بما ترى.
أغرقت روحي في ماء الصمان ورمالها وآخيت حورياتها وحباريها، انغمست في بطحاء مكة إلى أن سمعت أنفاس هاجر العطشى مختلطة بخرير ماء زمزم أول مرة لظهور رفة الحياة في وادي الجماد قبل أن يصير مهوى الأفئدة، أنخت بآبار البترول في سنة من خيال وتابعت بعيون قلقة وعقل متساءل تحركات السفن على الجهة الشرقية ولم ينسَ أن يسرح نظري شمالا وجنوبا إلى أن صبحت «رجاجيل الجوف وملكات النبط وسرت باتجاه عرعر و سكاكا وتيماء ورفيدة أحد والباحة حافية على طرقات لا يقيها غائلة البعد والبرد إلا الدعاء ولا يعبدها سوى الأمل.
حانت مني التفاتة إلى الجدار لم أصدق الساعة التاسعة إلا ربع صباحا.
صعقتني حركة الوقت الراكضة باتجاه يبتعد بنا عنا.
قفزت وأنا بالكاد أمشي.
لففت عباءتي على قامتي تأبطت المحمول وانطلقت إلى عملي لا ألوي على شيء ولكن أنوي عدة أشياء دفعة واحدة خلال جدول محاضرات حافل من العاشرة صباحا إلى التاسعة مساء بين التعليم الجامعي بعليشة وبين التعليم العالي الموازي بشمال الرياض.
شكرا لله على أقدار التحدي وعلى نعمه بالحب
في الطريق إلى العمل فتحت الجريدة لفت نظري التاريخ 12-2-2012.. يالله اليوم يكون قد مضى بفضل الله عام كامل وثلاثة أيام وسبع ساعات وعدد من الدقائق على عملية استئصال السرطان بتجربته الموجعة ورحلته الطوووويلة التي لم تنتهِ بعد ولكني لم أكن لأستطيع السير فيها رابطة الجأش بقلب شجاع وروح عالية وحدي لولا عشرات الأكتاف التي رافقتني وآلاف الأكف التي ارتفعت لله عز وجل طلبا للشفاء ولولا إيمان لا ينفد بحب الله وجمال قضائه وقدره.
فشكرا لله ثم شكرا لوطني ولأهلي وللأصدقاء بلا عدد مع الاعتزاز بمن ذكرت ومن لم أذكر من أسماء.
أعمق التثمين لخادم الحرمين الشريفين في مشاركتي ألمي بروح أبوية حانية, ولسمو الأمير سلمان، ولمعالي وزير التعليم العالي د.خالد العنقري في مواقفه السامقة ولمعالي مدير الجامعة د.عبدالله العثمان ومعالي د.خالد الربيعة، ومعالي د.عبدالعزيز خوجة، وللأستاذ خالد المالك بمؤازراته الرائعة ود.عبدالعزيز السيف، ود.فهد العبدالجبار ود. خيرية السقاف وللأستاذ عبدالعزيز الشعيبي، ود. نوف آل الشيخ ممثلةً لقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود، ولسفيرنا بالمملكة المتحدة سمو الأمير محمد بن نواف وحرمه سمو الأميرة فدوى بنت خالد والأستاذ الفاضل سعادة الملحق الثقافي ببريطانيا الأستاذ الدكتور غازي مكي وسعادة الملحق الصحي الدكتور علي الغامدي، ود. عبدالله الوشمي، ود. إبراهيم التركي، د. حمد الشايجي، ود. سعد الطخيس، وللصديقة د.فاطمة الخريجي والصديقة د.ثريا عبيد والأعزاء مرضي الصالح ودنيا الصالح وعادل العلي وياسرالعلي وإصلاح عبدالسلام وفوزية الجار الله ومحمد الدميني وعبدالله الحسيني ومنيرة السبيعي ممن خصوني بالسفر لزيارتي و مرافقتي وقت العلاج.
شكرا لشغف أمي ورقاها، وشكرا لتضرعات أمي لله في جنح السحر وطوال ثواني الليل والنهار، شكرا مع حفظ الألقاب لوقفة شقيقاتي نوال ونها وأنوار وحسناء وأشقائي فيصل وحسن وأحمد وعبدالرحمن ومشاري بالمال والنفس، شكرا لبطولة طفول في الوقوف كتيبة مقاتلين بجانبي على مدار الأربع وعشرين ساعة وشكرا لغسان وعبدالرحمن العقبي ولينا الدميني على مالا يحد من حب وحنان وسخاء.
شكرا لكل من كتب لي حرفا شفيفا صادقا من أصدقاء الحبر والأحلام نساء ورجالا, ولي مع ذلك وقفة أخرى.
تقدير عميق على الوقوف بجانبي والذود عني في موقف التحدي الذي أراد الله لي به تكريما مبكرا من الدولة والمجتمع والأصدقاء.
شكرا للربيع العربي فقد كانت روح الكرامة والمقاومة التي أذكاها فينا تجربة استشفاء يومي اغتسل بها من غثيان الكيمياوي صباح مساء.
وبعد هذه صفحة أولي من إيقاع الركض اليومي ستتبعها صفحات بإذن الله.
عزاء حار
- أحر التعازي أقدمها للدكتور النبيل عبدالعزيز السيف في فقد الرجل الأشم والده أسأل المولى أن يكون قد عتقه من دار الدنيا إلى رحاب الخلود في الفردوس الأعلى من الجنة ويرأف بقلوب محبيه وخلصائه بعده..
- عزاء حار للزميل العزيز يوسف المحيميد فقد آلمني خبر رحيل ملهمته العظيمة السيدة الوالدة وأبتهل لله أن يستقبلها برضاه ويكرم مثواها ويعينه على فرقاها. { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.