يخرج في مجتمعنا «نفر» قليل، بخصائص متشابهة. هذا النفر القليل يرفعون شعاراً جذاباً، هو: «الرأي.. والرأي الآخر»، يندرج عنه شعارات براقة تتثمل في حرية التعبير، والحقوق الإنسانية، وقبول الآخر، والتعايش، ونبذ الطائفية،.. إلخ من الشعارات الجميلة التي نعمل عليها في المجال الإعلامي منذ سنوات طويلة، بحثاً عن النهوض بالمجتمع وتطويره وفق الاحتياجات الملحة لهذه المرحلة المتسارعة إعلامياً وفكرياً، والأهم سياسياً. مع كل مرحلة يخوضها كل مجتمع بتغيراته وتحديثاته، تبرز سلبيات وإيجابيات، تتعامل معها المجتمعات الواعية بمحاولة تقليص الأولى قدر الإمكان، والاستفادة من الثانية من خلال نشر النتائج الإيجابية على كافة الأصعدة.
ما يحصل حالياً، وما يمكن قياسه أن المرحلة الجديدة التي نعيشها ضمن منظومة اجتماعية تتحرك سريعاً، قياساً على العالم العربي وأحداثه السياسية، وما يوازي هذا من حراك إعلامي يتسع بشكل سريع خصوصاً في عالم ما بعد «تويتر»، الذي أراه آلة إعلامية مفيدة ومهمة ولها من الإيجابيات ما لا يعد، إلا أن -فئة- من مجتمعنا يرضخ أمام سلبيات هذه الآلة، والتي تُستخدم من قبل النفر القليل ممن أشرت لهم في مطلع حديثي، وهم «فئة» قليلة ابتلي بها مجتمعنا، منهم من تصدر وسائل الإعلام أو مواقع الإنترنت، ومؤخراً تويتر، ومعظمهم كما لاحظت أناس «بسطاء» فكرياً، واعتمادهم يتضح أنه على الدعم الخارجي، ودعم داخلي «مبطن» أو يُمرر بحسن نية، منهم من لم يكمل تعليمه الثانوي، ومنهم من لا يستطيع تقديم أي إنتاج فكري ليصل إلى مصاف «المثقفين» مع ذلك وصلوا برغم كل هذه الأدوات المتواضعة بسبب ظهور براق وشعارات ثمينة في قيمتها إلا أنها وبأبسط معانيها تستعصي على فهم هذه الفئة. إذ ألاحظ على سبيل المثال، ما يقومون به من حملات منظمة يتم فيها وفي كثير من الأحيان استخدام أسماء وهمية لإقصاء أي رأي لا يتوافق معهم، أو لا يصب في مصالحهم الشخصية. تظهر جلياً على هذا النفر القليل صفة «الفجور» في الخصومة، من خلال تحركات منظمة في محاولة تسفيه و»استغباء» صاحب الرأي الآخر، ظنا منهم أن هذا الفعل قد يُسقط صاحب الرأي أو يؤثر على مصداقيته خصوصاً إذا كان كاتباً مشهوراً، وما ينتج عن هذا من اهتزاز صورة هذا الكاتب أو صاحب الرأي لدى قراءه.
وحين لا تفلح هذه التحركات، التي يقوم بها «نفر» قليل، من خلال توجيهات مرسومة بحبكة وذكاء وحرفية لا أخلاقية، فإن التوجه إلى مرحلة جديدة تنتقل إلى فعل «الجريمة» ألا وهي بث الشائعة، التي يتم فيها استغلال فئات من المجتمع -المتواضع- في محاولة جديدة ورخيصة لإقصاء صاحب هذا الرأي. ولأنتقل معكم من الحديث الإنشائي في وصف الحالة، إلى مثال حي حدث معي شخصياً، وهنا استدل بنفسي مع وجود أمثلة كثيرة، إلا أنني أرى عدم امتلاكي حق الحديث عن الآخرين في مثل هذا الموضع، فمثلاً، بعد أن نشرت مقالي يوم الأربعاء الفائت والذي تناولت فيه رأيي في قضية (صديقهم) الشاب الذي أساء لله -عز وجل- ورسوله الكريم، قامت الحملة المنظمة «إياها» من النفر القليل «إياه» ببث شائعة تقول بالتعليق على ملف فيديو يتحدث فيه رجل مسن منادياً ابنته وناصحاً لها، وتدعى: «سمر بدوي»، وهذا الاسم واضح في سياق ملف الفيديو. إلا أن النفر القليل الذي آلمهم ما تضمنه الفيديو، وما تضمنه مقالي وتغريداتي في تويتر، قاموا ببث شائعة أن المقصودة بحديث الرجل المسن هي كاتبة هذه السطور، أعاذنا الله وإياكم أن نكون من أهل العقوق.
ما يهمني في الأمر ليس هذا، بل استخدام الأدوات الرخيصة التي تتنافى مع كل الشعارات البراقة التي يرفعها هذا النفر القليل، وهذا ما يكشف أن مطالبتهم بقبول الرأي الآخر ما هي إلا للرأي الذي يتوافق معهم ومع مصالحهم الشخصية. وأكثر ما يكشف التناقض والتخبط لدى النفر القليل هو استخدامهم للشائعة، والتي هي أول سلوك سلبي يحاربه المثقف الواعي، أما مثقفو الكتابة السريعة والشهرة السريعة، فإن خصومتهم للرأي الآخر ليس فيها أي «شرف» لذا فأنا وأمثالي يصعب علينا التعامل مع النفر القليل، لأن مبادئنا أكبر وأرقى من الهبوط تحت خط الشرف. وما كتبته هنا هو امتدادا للوعي الذي حملته على عاتقي، وليس رداً على من هم دون المستوى الفكري والأخلاقي، لأن الوقوف والمواجهة تعني أن خصومة من يخالفك هي خصومة بشرف!
www.salmogren.net