طوال السنوات الماضية وكلما سمعت عن تهور شاب وتطرفه وبلوغه حد الإرهاب وقتل الأنفس والإفساد في الأرض بدعوى الجهاد أو تطرفه في أسئلته وشكوكه وبحثه الوجودي ونشرها بطريقة متهورة بدعوى الفلسفة أدرك وأجزم بأن هذا وذاك إنما هم ضحايا التربية المتشددة والبرمجة المتطرفة المنظمة التي أدت إلى تشبع الأول بفكرة الموت يمينًا أو نفور الثاني من فكرة القيد والدين يسارًا.
قناعتي تلك لها ما يسندها وقد تشكلت على مدى سنوات وقد سعيت بوعي الأم وبالاتكال على الله أولا إلى أن أنجو بأطفالي من عثراتها.
في أوائل عام 2003م كان ابني يدرس في الصف الرابع ابتدائي ولم يكمل عامه العاشر بعد فاجأني بإصراره على صيام يوم الاثنين والخميس شرحنا له أنا ووالده أنه صيام تطوع وأنه مازال صغيرًا وأن اليوم الدراسي طويل وعليه أن يهتم بأداء الصلاة فهي التي ندب إليها في مثل سنه ثم صيام رمضان إذا حل، لكنه أصر ورأى أن مخالفتنا أقل ضررا من مخالفة أستاذه!
بعد أسبوع طلب منا السماح له بالخروج مع معلم الدين وبعض الطلاب إلى استراحة ليتناولوا الإفطار بعد صيام يوم الخميس بالتأكيد تم الرفض القاطع فكيف لطفل عمره عشر سنوات أن يخرج مع غرباء بدعوى صيام وإفطار يوم الخميس!.
بحنان الأم وبشيء من الوعي والتوجس صرت أسأل ابني عما يقوله لهم المعلم في الحصة فوجئت بموضوعات غريبة مثلا كان المعلم يقول للأطفال في الرابع الابتدائي إن الحديث الشريف يكون قويًا حين يتعدد رواته مثل الرجل يكون قويًا إذا تعددت زوجاته وأنجب أولادا كثيرين!
كما أنه يتحدث عن أن استقدام العمالة المسيحية دلالة ضعف في الإيمان وضرورة الجهاد لنصرة المسلمين في كل مكان!
نقلنا لإدارة المدرسة الخاصة قلقنا فتابعوه وتأكدوا من تشدده وتضييقه على الصغار فأنهوا التعاقد معه.
متأكدة أنا من أن هذا التشدد كنا نعده ميزة للأستاذ قبل 2001م لكن صدمتنا بتطرف بعض شبابنا وقتلهم لأنفسهم وللأبرياء بدعوى الجهاد والذين هم ولاشك ضحايا لتربية متطرفة ومتشددة جعلتهم يتبنون هذه الأفكار المتشددة التي بثت لهم في الاستراحات وأنشطة المخيمات الصيفية في تلك المرحلة.
لا أنسى أننا في صيف 2006 وقد كان ابني قي الصف الأول المتوسط ولأن هناك إجازة طويلة ومملة اقترحنا عليه أن يلتحق بالنادي الصيفي لإحدى المدن الجامعية القريبة من المنزل وفعلا قمنا بتسجيله مع شقيقه الأصغر، كنت أظن حينها أن المجتمع قد تنبه للمنهج الخفي في التربية المتشددة ولكن الذي ظهر لنا أن الأمور لا تتغير بين يوم وليلة فما غرس على مدى سنوات وبطرق منظمة يحتاج لسنوات حتى يقتلع من جذوره.
حين أقبلنا على المركز أذكر أن البوابة مغلقة ويقف أمامها رجل لا أنسى شكله ما حييت كان أقرب لهيئة قائد تدريب المجاهدين في أفغانستان يرتدي جلبابًا قصيرًا وطاقية فقط ولحية طويلة معفاة بلا تهذيب حين نزل الصغار بلباسهم الرياضي وأقبلوا عليه وبخهم بعنف ثم أبلغهم أن الموعد من الخامسة عصرا حتى العاشرة مساءً ولا يسمح بالخروج مبكرا إلا في حالات الشدة، بقلب الأم استنجدت بوالدهم قلت أعدهم لي، أعدهم بالله عليك، أعدهم قبل أن يدخلوا!!
حين ركبوا السيارة ومضينا، ظللت أنظر لتلك البوابة المغلقة على من فيها لمدة خمس ساعات يوميًا وتساءلت حينها هل يخرج أولئك الأطفال كما دخلوا أول مرة؟ اليوم حين أرى تطرف وتهور بعض شبابنا أحزن من أجلهم فهم صنيعة مرحلة ليس إلا!
فاللهم ارفق بشبابنا وتب عليهم وثبتهم على دينك وهدئ أنفسهم بالإيمان وارزقهم اليقين وتمثل سيرة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم واستلهام وسطية السلف الصالح.
اللهم آمين.
f.f.alotaibi@hotmail.comTwitter @OFatemah