بثت قنواتٌ تلفزيونية أمريكية تغطية مثيرة عن حادثة استقطبت اهتمام المشاهدين وبعض المواقع على الإنترنت.. هذه الحادثة توضح لكل المهتمين بالدعوة إلى الإسلام أن ما يؤثّر في نفوس الناس هو «القدوة» الصالحة وليس الكلام النظري الذي قد لا يتجاوز تأثيره فترة زمنية محدودة!
والحادثة كما ظهرت في البث التلفزيوني تسجِّل عملية سطو على متجر يملكه شخصٌ مسلم في مدينة نيويورك. وبعد أن يقتحم اللص المتجر وتتم المواجهة بينه وبين المالك الذي يُشهِر بندقية في وجه اللص يسترحم هذا الأخير المالك ويشرح له الوضع المأساوي لعائلته الفقيرة التي لم تتناول الطعام منذ أيام بسبب شدة العوز، فلا يملك صاحب المتجر إلا أن يقدم لِلِّص طعاماً ويعطيه أربعين دولاراً ليشتري بها لعائلته بعض احتياجاتها. وعندما يكتشف اللص أن المالك مسلم وأنه فعل ما فعل بسبب تعاليم دينه يتأثر أشد التأثر فيعتنق الإسلام من فوره!
لا شك أن هذا التطبيق العملي لتعاليم الدين الإسلامي أشد وقعاً في النفس من مئات المجلدات التي تحتوي على التوصيف والشرح النظري.. وهذا لا يعني أن شرح القيم والمبادئ الإسلامية ليس مهماً، وخصوصاً لمن يجهل هذه التعاليم والقيم، وإنما يعني أن التطبيق العملي لمبادئ الدين هو الأهم وهو الذي يترك أثراً مستمراً في النفوس.
وهذه الحادثة لا تخص الدعاة فقط وإنما أي مسلم.. ففي الولايات المتحدة يوجد عشرات الآلاف من الطلبة السعوديين، وأضعافهم من المسلمين من كل الجنسيات. وبعكس ما يعتقد بعض معارضي الابتعاث فإن وجود هذه الآلاف من الطلبة في الخارج ممن يحتكون بغيرهم من أصحاب الأديان والثقافات الأخرى هو فرصة لتقديم الوجه الناصع لديننا وثقافتنا. فكل طالب هو سفير لبلاده وممثّل لدينه وثقافته.. ويمكنه أن يخدم دينه وبلاده بشكل مباشر في الأوساط التي يتواجد فيها على نحو يفوق ما يمكن أن يفعله الدعاة المحترفون أو السفارات والملحقيات.
إن الإسلام يتعرض لحملات كراهية لم تعد خافية على أحد.. وقد أسهم بعض المسلمين في تغذية هذه الحملات من خلال التصرفات الطائشة غير المسؤولة التي يرتكبها البعض، حيث وجدت هذه التصرفات الشخصية مَنْ يجيِّرها عن قصد باسم الإسلام بهدف الإساءة إلى الإسلام وإلى الثقافة العربية وكل من ينتسب إليهما. ورغم الجهود الكبيرة التي تبذلها بعض المنظمات والهيئات الإسلامية، وكذلك بعض الأفراد من خلال جهودهم الذاتية، لشرح قيم الإسلام فإن الصورة ما زالت غير جيدة.
كم نحن بحاجة إلى نماذج إنسانية رحيمة مشرقة كتلك التي أبرزها سلوك ذلك التاجر المسلم الذي أسدى بسلوكه القويم خدمة لا تقدَّر بثمن لدينه ولمسلمي الولايات المتحدة وللمسلمين في كل مكان. لقد حقَّق بهذا العمل الإنساني البسيط ما تعجز عن تحقيقه الدعاية الإعلامية التي تكلّف ملايين الدولارات!
نحن بحاجة إلى القدوة الصالحة.. فهي التي تصنع التأثير الحقيقي الفعَّال والدائم.. أما الكلام التنظيري الذي يعجز عن تطبيقه حتى من يطلقه فليس هناك من أمل في أن يجد طريقه إلى القلوب والعقول.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض