يمثل حمزه كشغري حالة وليس ظاهرة، حالة استثنائية في مجتمعنا. وفي محض استثنائيتها وندرتها يكمن قبحها، وعِظَم جرحها للراسخ في وجدان المسلمين.
وأن يُنكر عليه، ويُجرَّم فعله، ويُطالب بمحاكمته وعقابه، فذلك شعور إيماني وواجب ديني يستشعره كل مسلم، يعكس الالتزام بتوحيد الله وتنزيهه, وبصحيح الدين وتعاليم الشريعة المعظمة لشأن الله تعالى ودينه, ورسوله الأكرم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
*وأن يقول أهل العلم رأيهم فيما اقترفه حمزة، فذلك بيان واضح للرأي الشرعي فيما اقترفه.
وأن تُستثار حماسة المسلمين, ويستشيط غضبهم نصرة لله، ولرسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وللدين القويم, ولا سيما من مواطنينا، فتلك ردة فعل نحمد الله عليها، برغم عفويتها وحتمية وجودها أصلاً في بلد يحكم بشرع الله ويقيم حدوده، وهو دوحة الإسلام ومنبع الدين، الذي يضم أشرف بقعتين على وجه الأرض.
صنيع حمزة القبيح الشائن (حالة) - ويجب أن يقيَّم على هذا الوصف ويكيَّف بحدوده - ولكن تداعيات ردود الفعل عليه من قِبل البعض.. يعبِّر عن ظاهرة لا تقل قبحاً؛ فحين يتبرع البعض بإصدار أحكام يهدر بموجبها دمه, أو الدعوة للترصُّد له وقتله, وتحديد موقع منزله بإحداثيات دقيقة، والتنادي الفج في أخذ أسرته بذنبه, بل والتوسع الرخيص في تقصي أصوله العرقية وسحب حكم العداوة للإسلام وضعف الإيمان على كل سلالة ذلك العِرق في حس شعوبي وعنصري مقيت، فذلك ما يتجاوز بهذه الحالة حيزها الفردي, وظروفها وحدودها لبثِّ الفرقة والشتات والتنابز، ودعوى الجاهلية المنتنة، وهو ما يتجاوز إنكار المنكر إلى منكر لا يقل بشاعة وشناعة عنه.. فالتعبير عن الشعور العفوي المستوي على الفطرة الدينية السليمة القويمة أمر.. والتنابز بالألقاب والأعراق أمر آخر, يصل بمرض القلوب إلى الاستسلام لهوس نقاء عرقي يسقط نقيضه على شعوب ينتمي إليها حمزة في أصوله، ليكشف جينات عدائية للرسول والإسلام في أولئك؟ فأي هوس مرضي بلغه مثل هذا التفكير؟ وأي نقص في التصور يعتور هكذا دعوة عمياء؟.
ولم يكن ذلك صنيعه عليه الصلاة والسلام مع شانئيه من عتاة الكفر والطغيان.
*.. لقد كان بيان سماحة المفتي بمكان من الاتزان والعلمية والتعاطي الرصين وفق قواعد الشريعة مع هذه الحالة؛ ما يكفي أن يلجم سفه الانفعال، ويميت شرارة التصنيف العرقي المقيت، والتعميم الجائر من قبل من وجدوا في هذه الحالة فرصة لترجيع صدئ في التمييز والفرز والتصنيف بين مواطني البلد الواحد، والدين الواحد، والإخلاص لله الواحد الأحد جلَّ وعلا, وهم ينزلون دينه ونبيه المنزلة التي أنزله الله فيها.
والله المستعان.
md1413@hotmail.comالمدينة المنورة