سبق لي المشاركة في عدد من الفعاليات والمؤتمرات والنقاشات التي تدور حول السجون في العالم العربي، ومتابعة الرؤية الحقوقية لناشطات وناشطين لديهم اهتمامات واسعة في هذا الجانب. أكثر ما يتردد الحديث عن حق الخلوة الشرعية.
وفي دول عربية يرى البعض أن هذا فيه امتهان للمرأة ونظرة غير إيجابية قد تجرح مشاعرها عند زيارة زوجها السجين، والمقصود هنا الزيارة لأجل الخلوة الشرعية.
أعطيت رأيي في هذا من خلال عدة منابر، آخرها كان في حوار مع مجلة روز اليوسف.
ففي رأيي أن العقوبة بالسجن هي عقوبة فردية، وحرمان المرأة من حقوقها الزوجية يعني أن العقوبة طالتها بلا ذنب، إضافة إلى مفهوم السجن كمؤسسة إصلاحية، ومراعاة السجين وحقوقه ضمن المعايير الدينية والإنسانية التي تكفل لكل إنسان الكرامة، ليعود إلى مجتمعه وهو إنسان سوي.
وجدت من خلال هذه الفعاليات أن دولاً عربية لم تطبق بعد حق الخلوة الشرعية للسجينات والسجناء، في الوقت ذاته فإن مهتمين وإعلاميين ونشطاء يطالبون به لأنه حق إنساني وعلى إدارات السجون أن توفر المكان والآليات التي تكفل للزوجين هذا، دون أن تمر المرأة على جهات أو أشخاص مما يُدخلها في حالة من الحرج.
في حديثي مع عدد من الناشطات من دول عربية عن التجربة السعودية، تغيرت لديهن كثير من المفاهيم، ووصلن إلى أن رفض هذا الحق أو الوقوف في مجال تطبيقه لا يُفترض أن يكون للمبدأ بل لآلية التطبيق.
إضافة إلى رؤية إحدى الأخوات إلى أن المرأة في حال الحمل والزوج سجين تتعرض لإشكالية في محيطها الاجتماعية، في نظري وهذا ما قلته أن هذا لن يكون أمراً أكيداً خصوصاً وأن الأهل والأقارب سيكون لديهم علم عن لقاءاتها بزوجها، ولا أتصور أن يكون هذا سبباً أو حجة لإيقاف تطبيق حق الخلوة الشرعية.
حدثتهن أن حق الخلوة الشرعية للسجناء مطبق في السعودية منذ أكثر من 30 عاماً، والآن لم يعد متداولاً مسمى الخلوة الشرعية، إذ أصبح يسمى بـ»اليوم العائلي»، وذلك لأن الهدف أوسع وأشمل من تحديد الهدف بالحاجات الجسدية، إذ إن الأماكن التي يقضي فيها السجين اليوم العائلي هي عبارة عن شقق متكاملة يقضي فيها السجين يومًا كاملا مع عائلته، وهذا اليوم يكون عادة مرة في كل شهر.
إذ تتم زيارته من قِبل زوجته وأبنائه بعيداً عن أجواء السجن، في شقة متكاملة المرافق.
هذه التجربة بداية من المسمى ووصولاً بالآلية كانت أكثر ما شد الأخوات المعترضات على تطبيق الخلوة الشرعية، إلا أن بعضهن يرى بأن هذا الأنموذج الراقي من الصعب تطبيقه في دول قد لا تتوافر لديها ميزانيات لبناء هذه المرافق وتوفير مثل هذه الخدمات.
حدثتهن أيضا أنه يسمح للسجين الذي يرغب بالزواج أثناء مدة العقوبة، كما توفر -حسب علمي- إدارة السجن الترتيبات اللازمة لعقد النكاح.
ومثل هذا في سجون النساء، خصوصاً أن المرأة تعاني من رفض الأهل ورفض المجتمع لها، ويسمح لها بعد إتمام الزواج الخروج المؤقت إذا كانت قد تزوجت برجل غير سجين، وإن كان سجينًا فيمكنهما الالتقاء في شقق اليوم العائلي.
في تصوري أن حرمان السجناء من هذا الحق قد يفضي إلى بعض الانحرافات التي سمعنا عن انتشارها في السجون، إضافة إلى بعض الأمراض التي تنتشر بسبب الممارسات الشاذة، هذا عدا الحالة النفسية التي تصيب السجين جراء حرمانه من هذا الحق.
كثير من الأمور الجيدة لا نجد من يتحدث عنها، أو ينقلها إلى الآخرون حتى تُعمم التجارب الإيجابية.
مع ذلك ما زال هناك أمور كثيرة تحتاجها هذه الفئة سواء من هم خلف القضبان أو أسرهم وأبناؤهم، وذلك من أجل تعميم ثقافة الوعي والتعايش مع التائبين حتى لا تصيبهم انتكاسة ونكون لهم عوناً على حياة جديدة.
www.salmogren.net