صورة واحدة ندّت عن الضبط وخرجت عن الاحتراز عبر مصور عابر كان يعود قريبه أو موظف آلمه ما يحدث في دار رعاية للمعوقين، وآل على نفسه إلا أن يبرئ الذمة وينقل الحدث ليجد من يستقبله ويعالج الخلل، هذا موقف واحد أمام الأعين من عشرات المشاهد التي لم يفلح متألم بنقلها إلى نواظر المواطن والمسؤول، كنت لا أصدق ما يقال عن (دور) لرعاية الأيتام والمعاقين ونحوهم وأحيلها إلى عالم الخيال، وسمعت في السابق كلاماً ممن عاش في دار للأيتام يندى له الجبين وتقشعر له أبدان قوم مؤمنين، وأكد بلسانه (في إفادات أرادها للنشر الصحفي) أن بعض العاملين في الدار ممن يظن بهم خيراً هم من يتجاوزون حدود الأمانة في أمور أقلها الإهمال وعدم المبالاة بمراقبة من تحتهم من الموظفين والمستخدمين ومنحهم الثقة التي تزداد مع مرور الأيام وهم لا يعلمون ما تخفي الصدور، وكان المتحدث شاباً أُخرج من الدار لبلوغه سناً محددة، وهذا مثار عتبه وشفقته على نفسه إذ يقول إنه يتيم ليس له من عائل والدار تطرده في سن المراهقة وإنه جاء لمنبر الصحافة لعله يوصل صوته وأمثاله لمن يسمع، وحديث الشاب كان قبل سنوات وآمل أن تكون مثل هذه المشكلة قد وجدت الحلول، لا أدري غير أن الشاب لم يقدم برهاناً مادياً يؤكد أقوالهً لأنه كما قال لا يملك أي مستند بيده، ولا يملك إلا الحسرات والألم النفسي، وأشار إلى أنه كان يخشى التحدثّ للمسؤولين في الدار لأنه بوضعه الذي وصفه سيجد عنتاً وألماً مضاعفاً على حد قوله، وأخذت أحثه على الإقدام والاستعانة بالله وأن المرء حين يدلي بالحقيقة وهو صادق غير ظالم فإنه بعين الله يرقبه ويحميه، وإن طاله بعض الأذى فالأجر مضاعف بإذن الله، انطلق من عندي وهو عازم على تبيان الحقيقة وحينما لم يعد ولم يحادثني بعد أيام قلقت عليه، فتوجهت لمكان عام كان يقول إنه يجتمع فيه مع بعض رفاقه فلم أجده هناك ولم أجد عنه خبراً عند الرفاق الذين فقدوه أيضا.
وكنت ذات يوم مع صديق نزور ابنه المعاق في دار للرعاية، وشاهدت هناك ما يؤلم النفس رحمة بهم وعجزت عن كفكفة دموعي، وحين الخروج دارت في ذهني خيالات الريبة والشكوك تجاه (بعض) العاملين هناك لاسيما بعد استرجاع صورهم وبعض ممارساتهم التي لا تنبئ عن لطف في المظهر ولا المخبر، فقلت لصديقي والد الطفل: هل أنت مطمئن أو تجد ما يحملك على الثقة بهؤلاء العاملين؟ أجاب وعيناه تنفتحان بأوسع دائرة ممكنة: هل قرأت أفكاري؟ قلت ماذا عندك؟ قال: ألم تلحظ أن أكثر الأطفال والفتيان المعاقين مرداً وبصورة حسنة، وأن بعض العاملين فتوات وبأجساد لا توحي بالارتياح! قلت: نعم، ولو كنّ نساءً يرعين هؤلاء الصغار على الأقل لكان ادعى للاطمئنان، قال: هيهات، سيقال اختلاط، قلت إنهم صغار ومعاقون، قال: يدرأون المحاذير، قلت: حيرتني، ولكن لابد من التوازن والبحث عن أكثر الإيجابيات وأن لا نحمل على أكتافنا رؤوس النعام ونعطي الثقة لغير أهلها، وأن يؤخذ في الاعتبار أن هؤلاء فلذات أكباد أناس تتفطر عليهم أكثر من إخوتهم الأصحاء.