قصة
حتى العصافير المغرِّدة على شجر الجوافة غابت عن عينيها..
الأشجار ذاتها لم تعد في مكانها..
السور الذي يلف بزنديه سعة البستان انقض وبدت آثاره..
الهواء المنعش في هبوبه صبيحة الأيام، وقبول المساء لا يزال يدب في رئتيها..
لكنها لا تعلم إن كان هو ذاته الهواء المشبع برحيق زهور بستانها، ونسائم زفير أمها وأبيها، وإخوتها، أم أنه هواء آخر جاء من آماد الفضاء، دار.. وترحَّل.. وامتزج.. وتغير..؟
حتى أعمدة النور المطلة من الشارع على البستان، تغيَّرت، ولم يتغير مكانها، تبدلت فيها عشرات المصابيح, والأسلاك، والأيدي.. صافحتها مئات العيون .. والعابرين.. والساكنين..
ضلفة الباب الموارب للشارع الأمامي وحيدة بقيت من الآثار الدارسة..
لا تدري إن بقيت فوقها بصمات أصابعها وأمها وإخوتها وأبيها..؟
كثيراً ما سألته أن يبقي لها تلك الصورة الصغيرة التي رسمتها على خلفية الباب، دون أن يطمسها بلون آخر اختاره عشية أن قرر بيع الدار..
كانت تشعر بأن فعلته تلك نذير لأن يتغير الباب بضلفته الحاملة بصماتهم..
وعندما طرقت الباب من جديد بادرها وجه لا تعرفه أبداً..
لحظتها تلك أيقنت أن الباب الجديد لا يحمل بصماتهم..
وهو إذن تغيَّر، ليس الباب الذي يحمل صورة رسمتها ذات براءة لأحد عصافير شجرة الجوافة..
تنهدت وهي تتعذر لمن فتح الباب: هذا ليس بيتي..
مشت، والرجل يحرك رأسه يمنة، ويسرة، وهو يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله..
مجنونة، أو فاقدة للذاكرة..
عرجت للشارع المقارب تتمتم: إيه ليته لم يغير لون الباب..
ليته..!