يعيش بعض الآباء في برج عاجي أو بالأحرى كهوف يخرجون منها لتوفير المطعم والمسكن ثم يختفون، يهربون إلى مشاكلهم أحيانا أو إلى أمزجتهم أحيانا أخرى أو شلة المجالس تاركين وراءهم صغاراً ينشدون التوجيه والموعظة والقدوة، وهنا يلتقطهم ضعفاء النفوس فيغرسون في أدمغتهم كل ما هو متشدد بعيداً عن تعاليم الدين لتحرير أجندة خفية فهل تتوقف ولاية الآباء على الأبناء.
ولاية الأب على صغيره هي ولاية إجبارية وليست اختيارية وعلى الأب أن يسعى لتحسين تربية أبنائه والقيام بالتوجيه والمتابعة والمحافظة على دينهم وعقولهم وعدم إهمالهم، لكن بعض الآباء يظنون أنهم بتوفير لقمة العيش والسكن المريح برئت ذممهم وعليهم تذكرة الحال والنتيجة أهمل الأب أبناءه وساروا في طريق الضلال وهو الذي كان عليه أن يقيهم النار التي {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وعلى كل أب أن يفتش عن أبنائه من حيث الأصدقاء والحقائب والمكتبة حتى يطمئن عليهم من أفكارهم المدسوسة التي توقعهم في شبهة.
إن الفراغ أحياناً يكون سبباً في انحراف الشباب، الأمر الذي يقضي بتوفير أندية رياضية وثقافية واجتماعية، لكن للأب دورا هاما في ملاحظة الأبناء بشكل ملتزم والمؤسف أن بعض الآباء يهملون أبناءهم دون رقابة في وقت تتضح فيه حاجة الشباب لضوابط اجتماعية وثقافية في مقدمتها الانتماء الوطني والوسطية والاعتدال حتى لا تجعلهم عرضة للتيارات المتطرفة.
إن الأسرة من أهم المؤسسات التربوية في المجتمع، فالأب يعتبر العنصر المهم في عملية التربية والتنشئة الاجتماعية إذ كان للأم دور فعال ونشيط في مساعدة الأب وعليها عبء إشباع حاجة الأبناء، وهنا تكمن خطورة عدم متابعتهم وتركهم خارج المنزل لساعات مع أصدقائهم دون مراقبة، وعلينا أن نعرف أن المرحلة الثانوية تحتاج لمتابعة حتى بعد زواج الأبناء فيجب متابعتهم، وأعتقد أن التساهل التربوي هو أحد أسباب انحراف الأبناء، فبعض الآباء لا يسأل عن أبنائه أو سلوكهم أو مستوى تدينهم ومدى تطبيقهم للشريعة الإسلامية، ولا يوجهونهم لأصدقاء صالحين يتميزون بالأخلاق الحسنة وهنا نجد أن الأبناء يكونون عرضة لأصدقاء السوء والتأثر فكرياً وسلوكياً.
إن البعض من الآباء يتركون الحرية لأبنائهم في الدخول إلى المنزل والخروج منه والسهر والرحلات، فيتعود الأبناء على عدم الاستئذان لأنهم كبروا ويتغيبون بالأيام هنا وهناك.
الكارثة أن المرحلة الحالية تحتم دورا هاما على الآباء وتوجيههم ورعايتهم والنصح والإرشاد يكون بالترغيب تارة والحوافز مع حثهم على عدم الغلو والتطرف والتشدد والتحلي بالأخلاق الإسلامية.
عن سلامة المجتمع وسلامة أفراده وفي مجتمعاتنا الشرقية نجد السلطة الذكورية فيها واضحة في كل مرحلة ولو تتبعنا علاقة الأب بأبنائه لاتضح لنا التعاضد الاجتماعي الذي تفرضه الحياة الاجتماعية فالأب هو الأساس في الخلية الاجتماعية ويصعب أن نقوّم العود وهو يابس وفي كل مشاكل الانحراف تتجه الأنظار للأسرة والأب في الدرجة الأولى، أما الانحراف الفكري فأساسه فقدان الحنان وإهمال الأسرة، ويتحمل الآباء والمعلمون مسؤولية التربية الخطيرة وهناك توجيه نبوي شريف بالرعاية الاجتماعية التي ينبغي أن تكون على منهج الله تعالى والتربية المتزنة هي التي تربي الإنسان منذ نعومة أظفاره بشكل بعيد عن الإفراط أو التفريط. ولنشجع أبناءنا على فعل الطاعات والابتعاد عن المحرمات، وعلى الأبوين أن لا يربيا طفلهما إلا على ما هو صالح ونافع وطيب فينشأ بذلك ابنا نافعا لأهله محبا للخير كارها للشر وإيذاء الآخرين ويتجنب فعل المحرمات.