تختلف بلا شك الشرطة المجتمعية عن الشرطة التقليدية التي ظلت تخدم القوانين، لتصبح وظيفة تخدم أفراد المجتمع وتوفر لهم الأمن الشامل، وتطبيق هذا النظام الأمني المهم يقوم نجاحه على تآلف المجتمع وتماسكه ورغبة أفراده في التطوع لمساعدة الجهاز الأمني في الحفاظ على الأمن داخل البلد.
ومن صور المشاركة المجتمعية في الفكر الإسلامي ولاية الحسبة وهو من أهم الولايات الإسلامية كالقضاء والإمارة والشرطة وكلها وجدت لحفظ أوامر الشرع. وأيضاً نظام ولاية المظالم «رد المظالم» الذي ينظر في الأحكام التي لا يقتنع الخصم بعدالتها! وتجاوباً مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تمثل دستور المملكة العربية السعودية تم اعتماد نظام المجاهدين وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منذ عهد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه. وكان هذا النظام يقوم على مطاردة المخربين وأعمال الحراسة وتنفيذ الأحكام ومعاونة رجال المرور ومكافحة التهريب والتسلل وجمع الزكاة الشرعية وتتبع آثار الجناة الهاربين، وهيئة الأمر بالمعروف كانت تتولى إرشاد الناس وتوعيتهم وإلزامهم متى لزم الأمر بالحكم الشرعي بما يضمن انتظامهم وأداءهم لحقوق الله وحقوق العباد. وجميع هذه الأنظمة تخدم أفراد المجتمع عندما تصلها الشكوى في جهازها، وتطورت كجهات أمنية وحقوقية بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية أيضاً.
لكن هناك حالات بدأت في الظهور لأسباب عديدة كمثل انتشار الأمراض النفسية والعقلية، وتعاطي المخدرات، وارتفاع نسبة الفقر عن السابق مع ضغوط الحياة خاصة لكثير من الأسر ذات الدخل المتوسط وما دون! وارتفعت بذلك نسبة العنف الأسري عن السابق خاصة ضد الأطفال، وبدأت تظهر على السطح الاجتماعي والإعلامي قضايا عنف أسري بسبب تكافؤ النسب وبسبب عضل الفتيات وتزويج القاصرات! وكذلك ارتفعت نسبة حالات المعوقين الذين لا تستطيع أسرهم التعامل مع إعاقتهم واستيعابها من خلال البيئة الأسرية، مما يؤدي إما لتخليهم عنهم داخل مراكز المعوقين لسنوات طويلة، أو اللجوء لاستخدام الحبس وتقييدهم بالسلاسل في المنزل بهدف ضبط سلوكياتهم والحد من تعرضهم للأذى! لذلك نحن بحاجة ماسة لاستراتيجية أمنية تقوم على العودة لنظام الشرطة المجتمعية المقارب «لنظام العسس» لكن يكون على أسس مهنية مدروسة مناسبة للتغيّرات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على مجتمعنا. والهدف منها ليس مكافحة الجريمة كمثل الشرطة فقط، بل الهدف هو حماية الأسر من خلال وجود المعنيين بهذا النظام داخل مراكز الشرط بالأحياء وأن يكونوا مؤهلين اجتماعياً وأمنياً وقريبين من سكان الحي وتفاصيل حياتهم وداعمين للجان الحماية الاجتماعية في عملها الميداني عند زيارة حالات العنف الأسري. فالشرطة التقليدية ما زالت غير مؤهلة ولا متفرغة لاكتشاف الاعتداءات المنزلية والحد من تطور الخلافات الزوجية والأسرية لمستوى الاعتداء الشديد أو الجريمة!
moudy_z@hotmail.com