الجزيرة ـ د. حسن الشقطي :
توجد شركات كبرى ورئيسة في كل دول العالم. ومن أكبر هذه الشركات غالباً شركات المقاولات أو الإنشاءات أو شركات البناء والتشييد. وفي السوق السعودي أصبح سوق الأسهم هو المصباح الأول لرؤية التغيرات في أنشطة ونتائج أعمال مثل هذه الشركات.. وإذا بحثنا عن قطاع الإنشاءات بسوق الأسهم فسنجده داخل قطاعَيْن، هما البناء والتشييد، والتطوير العقاري، وهي نقطة محل جدل حول أسباب فصل القطاعَيْن عن بعضهما رغم تداخلهما وارتباطهما الوثيق؟ فعملياً لا يوجد فَرْق بين شركة متخصصة في تطوير العقارات وشركة متخصصة في البناء والتشييد؛ فكلاهما نشاط إنشاءات، ومعايير الفصل لدى هيئة سوق المال كانت عبارة أن هناك شركات بناء وتشييد لكنها تقدم خامات معينة فقط، ولا تقوم بالإنشاء؛ وبالتالي فهي ليست شركات إنشاءات بقدر ما هي شركة متخصصة في تصنيع عنصر إنشائي معين، مثل الجبس أو الفخار أو الكابلات أو الخزف أو غيرها.. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أليس كل شركة تطوير عقاري شركة إنشاءات في حقيقتها؟ رغم أنه ليس كل شركة إنشاءات شركة تطوير عقاري. المهم أن قطاع الإنشاءات بسوق الأسهم يضم قطاعي «البناء والتشييد» و»التطوير العقاري»، ويضم هذان القطاعان نحو (25) شركة، وتصل القيمة السوقية لشركات هذين القطاعين معاً إلى نحو 72.4 مليار ريال، ويساهما في إجمالي قيمة رسملة السوق بنسبة 5.7 %.. ومتوسط مكرر ربحية القطاعَيْن يدور حول 16 مكرراً، وهو أداء مقبول.
أما من حيث نتائج أعمال الشركات الـ 25 خلال 2011م فقد حققت تسع شركات منها نمواً في أرباحها، في حين أحرزت أربع شركات منها خسائر صافية.. وبلغ صافي أرباح القطاعين خلال العام المنتهي نحو 2.9 مليار ريال فقط تقريباً..
وبصفة عامة، أحرز مؤشر قطاع البناء والتشييد ارتفاعاً بنسبة 2.2 % خلال السنة الماضية، في حين أحرز قطاع التطوير العقاري صعوداً بنسبة 8.6 %. لكن التساؤل المهم هنا: هل هذه القيمة السوقية تعبّر عن حجم قطاع الإنشاءات السعودي؟ وهل هذا الربح لها كاف ومقبول في ضوء الزخم الذي يشهده القطاع منذ سنوات؟ وهل يُعتبر ذلك مقبولاً لسوق يمتلك (36) مقاولاً مصنفاً من الدرجة الأولى؟
أين شركات الإنشاءات والمقاولات الكبرى من سوق الأسهم؟
لن نتحدث عن الـ 36 مقاولاً المصنفين من الدرجة الأولى بالسوق السعودي، الذين من بينهم نحو (11) مقاولاً مميزاً على مستوى منطقة الشرق الأوسط في مجال المباني والإنشاءات، وجميعها أسماء لامعة ومعروفة عالمياً.. عندما نتحدث عن مجموعات ابن لادن وسعودي أوجيه فإننا لا نحتاج إلى تعريف.. ولا نحتاج إلى السؤال عن حجم رأس المال أو مقدار الأصول أو حجم العمليات السنوية.
مؤشر البنك الأهلي التجاري لعقود الإنشاء
إذا أردنا توصيف وضعية قطاع الإنشاءات على أرض الواقع بعيداً عن تقييمها بسوق الأسهم فسنجد الصورة مختلفة تماماً.. أداء عالياً للغاية ونتائج أعمال ضخمة وهائلة.. ويُعتبر مؤشر البنك الأهلي لعقود الإنشاء خير دليل لإبراز هذه الصورة.. ويوضح المؤشر أن قيمة عقود الإنشاءات التي تم ترسيتها خلال عام 2011م وصلت إلى 270 مليار ريال، بزيادة بنسبة 155 % عنها في عام 2010م، ومن الملاحظ أن نحو 69 % من هذه العقود تم ترسيتها خلال النصف الثاني من عام 2011م.. وبلغت قيمة المشاريع الحكومية التي تم التعاقد مع القطاع الخاص عليها من بين هذه القيمة نحو 148.3 مليار ريال، كما أن هناك مشاريع خاصة تصل إلى نحو 121.7 مليار ريال بين تلك العقود. كما تشير تقارير سابقة للمؤشر إلى أن قيمة العقود التي تمت ترسيتها خلال عام 2008م بلغت 111.0 مليار ريال، وبلغت خلال عام 2009م نحو 207.0 مليار ريال، ووصلت إلى نحو 106.8 مليار ريال.. ولعل قيمة هذه العقود توضح لنا حجم أعمال قطاع الإنشاءات خلال الفترة من 2008-2011م، التي تراوحت ما بين 107 و270 مليار ريال سنوياً؛ فكم هي نتائج الأعمال المتوقعة للقطاع سنوياً؟ وكم هي معدلات الربح المتوقعة؟ بالطبع معدلات كبيرة. أيضاً من جانب آخر، فإن قيمة رسملة قطاع الإنشاءات بسوق الأسهم، التي لا تتجاوز 72.4 مليار ريال، تُعتبر متدنية جداً لقيمة العقود التي تمت ترسيتها في عام 2011م، والتي وصلت إلى 270 مليار ريال، أي أن النسبة الكبرى من قطاع الإنشاءات السعودي تغرد خارج سوق الأسهم.. في اعتقادي أن شركات الإنشاءات الموجودة خارج السوق حالياً تمثل قطاعات وليس شركات، مقارنة بالقيمة السوقية لكثير من القطاعات الحالية.. ولا نتوقع إدراج هذه الشركات قريباً بالسوق، لكنا نتطلع إلى أن تقوم هذه الشركات الكبرى باللجوء لسوق الأسهم، على الأقل لتمويل مشاريعها الجديدة. إن سوق الأسهم يفتقد زخم قطاع الإنشاءات، لكن يبدو أن قطاع الإنشاءات نفسه لا يفتقد سوق الأسهم.