هذا العنوان جزء من خاطرة حكيمة جادت بها قريحةُ العلامة الشيخ محمد الخضر حسين-رحمه الله- لما كان مغترباً في مدينة برلين بألمانيا عام 1918, وتمام الخاطرة قوله - رحمه الله - «إذا أَغلقَ المحَيطُ أعين رقبائك, وختم على أفواه عُذَّالك, ثم راودك على أن تنزع حلية أدبك- فقل: ليس للفضيلة وطن».
وهذه الكلمة الأخيرة تصلح لأن تُجرى مجرى الأمثال؛ لاختصارها، وعمق مدلولها، ويعني بذلك أن التزام الفضل, وتَمَثُّلَ المروءة, واستحضارَ الرقابة الإلهية - ليس له مكان محدد سواء كان ذلك في الخلوة أو الجلوة, أو الحَّلِّ أو الترحال, أو السفر أو الإقامة.
إنما هي حال تقتضي من صاحبها الاستقامة, والاستدامة على تلك الحال، وإذا كان كذلك صار بمنزلة المحسنين الذين يعبدون الله كأنهم يرونه, فإن لم يكونوا يرونه فإنه يراهم، وما أجمل تلك الحال التي يستوي فيها ظاهرُ الإنسان وباطنُه, فيكون سَّره كعلانيته, وظلمة ليله مثل ضوء نهاره ، وكما أحسن العلامة الخضر في صياغة تلك الخاطرة نثراً فقد أحسن في صياغة حكمةٍ قريبة منها شعرِاً, حيث قال:
وما أبصرت عيناي أجملَ
يخافُ مقام الله في الخلوات
- جامعة القصيم