يحكى أن خطاطًا خطَّ مصفحا ثم باعه، وفجأة وبعد أيام هجر فيها النوم قال لأهله: إنه سيذهب لسفر قد يطول ثم قصد مدينة من باعه المصحف وقطع مفازات وبيد حتى وصل له وتوجه مباشرة لبيت المشتري فلما قابله طلب منه أن يحضر المصحف في ظل دهشة من الرجل وعندما أحضره له: صحح له آية رفعها وهي منصوبة!, وهذا جرير البجلي -رضي الله عنه- أراد أن يشتري فرسًا فعرض عليه بمبلغ معين, ففعل -رضي الله عنه- فعلا عجيبا! عندما قال للبائع: إن فرسك يستحق أكثر من هذا الثمن واشتراه بأضعافه!
وللأسف ما نراه الآن من انهيارات أخلاقية والبعد عن النزاهة، فأمر طبيعي أن يصدم أحدهم سيارتك في غيابك ويفر هاربًا وأمر عادي جدا استخدام سيارة العمل في المشاوير الشخصية! والطامة الكبرى والمصيبة العظيمة والداهية الصلعاء إذا فعل هذا من نحسب أنه قدوة ونموذج صالح! وقد سمعنا عن الكثير من أصحاب المنصب والجاه من يسلب الحقوق وينهش من المال بذمم واسعة (ممنطقًا) عمله الدنيء ومبررًا له للأسف!
يا معشر القراء يا ملح البلد
من يصلح الملح إذا الملح فسد؟!
وكم كانت صدمة المجتمع الأمريكي كبيرة عندما انكشف الخبير المالي الشهير (ايفان بوتسكي) واكتشفت أفعاله غير الأخلاقية في البورصة وهو الذي كان يقدم نفسه على أنه شخص أمين! وقبله (القس سويجارت) وفضائحه الجنسية الفظيعة!
يقول ستيفن كوفي: «مهما حاولتُ الاستفادة من تقنيات التأثير على الآخرين فلن تفلح إذا ما كانت شخصيتي تعاني عيوبًا داخلية كالازدواجية أو عدم الإخلاص!».
والتساهل في المواقف البسيطة يحدث شرخًا وثلمة في البناء الأخلاقي، وإذا ما تكررت التجاوزات فإن تراكم الفعل يحدث أثرًا نوعيًا عند صاحبه من حيث اعتياده على تلك التجاوزات, وهو ما يؤكد أحد الفلاسفة بقوله: «إن الشخصية تصنع في اللحظات الصغيرة في حياتنا»، والمال يعتبر محكًا حقيقيًا للنزاهة والكثير للأسف وإن بدا عليه ملامح الصلاح لايصمد أمام المال وقد استشرفت له روحه، وامتدت إليه عينه، وحامت عليه نفسه، واشرأبت نحوه أطماعه فتتداعى حصون القيم وتدك أسوار المبادئ عند أول اختبار! وعندما ينهمكُ الفكر في خدمةِ الهوى ينهار العقل ويغدو صاحبه كالعبد الذليل! وتبدأ حينها قصة الضياع، والفصل الأول من فصولِ الهزيمة! وينصحك (جورج واشنطون) إذا ما أردت أن تحمي أخلاقك من أي اختراق أن تصدر مرسومًا شخصيًا بألا تبيع نزاهتك من أجل سلطة أو مال أو عاطفة! والنزاهة كما يقول الكاتب هوثرون: لن تخذلك لأنها ستجبرك على أن تسلك الطريق الصحيح عندما تواجه إغراء الطرق المختصرة!
والنزاهة أضمن وسيلة للفوز بقلوب الناس واختراق قلوبهم وهي سبيل أيضًا للفوز بالمكاسب الدنيوية فالناس يقبلون على التاجر النزيه ولن يجدي ذلك التاجر تحايله واستغفاله للزبائن لأنه من أول سقطة سيهجر للأبد! وكذلك تعتبر النزاهة الصفة الأهم والسمة الأبرز للقادة وذلك بحسب استفتاء أجراه صاحب كتاب (القيادة تحدٍ).
وإن أردت أن تختبر نزاهتك فأجب عن تلك الأسئلة:
1. هل يتغير تعاملك مع الأشخاص بحسب مناصبهم ومصالحك الشخصية؟
2. هل أنت واضح في تعاملاتك مع الآخرين؟
3. هل تصحح الخطأ وتعترف به دون ضغوط!؟
4. هل تتحدث عمن حولك في غيبتهم وحضرتهم بلغة واحدة!
وتمتين حس النزاهة لدينا يحتاج منا إلى استحضار مكاسبنا العظيمة منه ومن ثم منحه يقظة وانتباهًا دائمين وهو أمر غير مرتبط بظروفك الخاصة وببيئتك, فحتى لو نشأ الإنسان في بيئة متساهلة أو في شركة فاسدة فهذا لايبرر له تخليه عن النزاهة، درب نفسك واعتنِ بالأشياء الصغيرة وبشكل يومي والتزم أخلاقيًا بها تسهل عليك الأمور الكبيرة وقد عبر عن تلك الفكرة الخلاقة رائد علم النفس وليم جيمس بقوله: من أراد النجاح فليعمل يوميًا شيئين يكره فعلها يتدرب عليها!
وقرارك أن تكون نزيهًا يجب أن يتخذ على الفور فهو بمثابة الدرع الواقي والسور المانع تجاه أي موقف قد تُساوم فيه على قيمك! وللأسف أن الكثير قد يُشترى ويساوم لأنه لم يكن ليحسم أمر النزاهة من قبل! الآن اتخذ قرارًا أيها العزيز أن تحيا (نزيهًا) ولا تنتظر أن تضيع الفرص وينقضي عمرك مقزّمًا من شخصيتك قبل أن تحسم أمرك بشأن النزاهة!!
ومضة قلم:
ربما لم يكن طريق النزاهة أسهل الطرق, ولكنه يقينًا الطريق الوحيد الذي سيوصلك لحيث تريد!
khalids225@hotmail.com