في عالم التعاملات التجارية؛ من بيع وشراء وإيجار وبناء وعقود عمل وغيرها من التعاملات اليومية للأسر وأفراد المجتمع، نرى أن هناك حالات من «الغبن» يقع إما على البائع أو المشتري، والأمثلة من واقع حياتنا اليومية كثيرة. فنحن نسمع عن من اتفق مع أحد المحلات على عمل معين، واشترط فيه شكلاً معيناً ولوناً معيناً وخامة خاصة، وتناقشا في تفاصيله ليخرج في صورته النهائية بما يرضي ذائقة العميل، واستلم البائع أجره كاملاً قبل التسليم وهذا من حقه ليضمن أجر ما قدم من عمل. ولكن عندما تم إنجاز العمل وتم تركيبة بشكله النهائي، تفاجأ العميل بأن «جودة» العمل هي «دون المستوى» وأن ما استلمه ليس المتفق عليه، وعند مناقشة المحل فإنه إما يُنكر أن عمله مخالف للمتفق عليه، أو يماطل ويعطي وعوداً «مطاطية» لكي يمل العميل ويعدل عن مطالباته لعدم وجود جهة رقابية تقوم بدور الوسيط لهذه الأعمال الصغيرة التي لا تستوجب التوسع فيها للشكوى لجهات عليا. ومن جهة ثانية، نرى بعض العملاء يتفقون مع بعض المحلات على أداء عمل معين «كصيانة أحد الأجهزة مثلاً» وبعد انتهاء العمل، نجد العميل وقد قام ببخس الثمن المتفق عليه، أو امتنع عن الدفع بالكلية! وهنا يكون قد ضاع جهد العامل سدى ليحاول البحث عن أجرته في ظل مماطلة من أدي له العمل وأمام هذه المشاكل التجارية التي تتكرر باستمرار، نرى أهمية وجود «وسيط» بين البائع والمشتري، يضمن للطرفين حقهما، بحيث يضمن المشتري حقه في «جودة البضاعة أو العمل» ويضمن البائع حقه في «قبض الثمن». والوساطة التجارية ليست شيئاً غريباً أو مستحدثاً؛ فنحن نراها في عالم العقارات والأسهم والسيارات، وقد عرفها الشيخ عبد الرحمن الأطرم بأنها (عقد على عوض معلوم للوسيط، مقابل عمل يجريه بين طرفين، لا نيابة عن أحدهما).
وإذا ما تم عمل «شركات وساطة» لمختلف المعاملات التجارية - كبيرها وصغيرها - بدءا من شراء العقارات، ومروراً ببناء صغير وانتهاءً بشراء جهاز منزلي صغير، عندها سيكون هناك نوع من «الشفافية» في التعامل، والكثير من «الثقة» و»الاطمئنان» بين البائع والمشتري.
أما حق «الوسيط» فممكن أن يكون «بمبلغ» معلوم يحدده الوسيط حسب نوع المعاملة التجارية، ويؤخذ من البائع والمشتري أو أحدهما، أو يكون عبارة عن «نسبة مئوية» محددة من قيمة البضاعة أو أجرة العمل.
وتنتهي الوساطة بانتهاء العمل المتفق عليه، أو بانتهاء المدة الزمنية المتفق عليها، فيكون دور الوسيط «الإشراف» على العمل و»التأكد» من جودة البضاعة قبل تسليمها، وجودة العمل بعد تمامه، وإلزام البائع بتبديل البضاعة إذا كانت تالفة أو دون المستوى الموضح في العقد، أو إعادة العمل مع تكليف البائع بتحمل جميع التكاليف إذا كان العمل في صورته النهائية مخالفاً للشروط المتفق عليها. ومن ناحية أخرى فإن على الوسيط مهمة التأكد من أن البائع قد استلم حقه «كاملاً»، وإلا فإن للوسيط الحق باتخاذ ما يراه مناسباً لاستيفاء حق البائع من المشتري.
ومن الممكن للبائع أو المشتري أن يجعل الوسيط «وكيلاً» عنه، وبذلك يتمكن الوسيط من إجراء عمليات البيع والشراء، وكذلك قبض الثمن، دون الرجوع للمُوكِل، وهذا يجعل العمليات التجارية أكثر سهولة وسلاسة...
وعلى كل حال فإن الوساطة التجارية رغم أن الأصل فيها الجواز، ورغم منافعها الجمة التي بينا بعضاً منها في هذا المقال، إلا أننا نحتاج لمزيد دراسة لها، خصوصاً من الناحية الفقهية والشرعية، ليكون المواطن على بينة في تعاملاته، ولنؤسس لمفهوم جديد في عالم المعاملات التجارية على قواعد صحيحة...
- شقراء