في إحدى جلسات مجلس الشعب المصري تفاجأ رئيس المجلس الدكتور محمد الكتاتني (إخواني سابق) وأعضاء المجلس الـ498 عضو بـ(النائب السلفي) ممدوح إسماعيل، واقفاً صادحاً بالأذان لصلاة العصر، فحاول الرئيس إيقافه وتنبيهه ثم تركه يكمل، لكنه عاتبه بشدة بعد أن انتهى من الأذان، رافضاً هذه المزايدات، قائلاً له:
(أنت لست أكثر إيمانا منا جميعاً)، خاصةً أن هناك مسجداً بجوار المجلس، إلا أن النائب ممدوح إسماعيل أكد أن هذا حقه، فرد الدكتور الكتاتني مستنكراً: (هل أنت فقيه زمانك؟ هل أنت أفقه من كل أعضاء المجلس؟ أنت محامي مشهور ولا تحتاج لهذا العرض الإعلامي) حسب ما ذكرته بعض المصادر الإخبارية المصرية.
كثيرون علقوا على هذه الواقعة، سواءً بالتبرير أو التأييد أو الرفض القاطع لها أو النقد الإيجابي، خصوصاً من التيار الديني العريض في مصر، الذي رأى في ذلك إحراجاً للعمل الإسلامي في أول مجلس شعبي منتخب، رغم شرف العمل الذي قام به النائب ممدوح وحسن مقصده، كونه بهذا التصرف يمنح الفرصة للتيارات الفكرية المناوئة والأحزاب السياسية الأخرى بالصيد في الماء العكر بدعوى أن ممارسات الإسلاميين تعكس جهلهم بالعمل البرلماني، الذي يعتبر ركيزة في الحياة الديمقراطية، وخلط واضح لتأدية الشعائر الدينية في أوقات الأعمال السياسية اليومية، بل إن هذه الممارسات تؤكد ما حذروا منه خلال الانتخابات من أن الإسلاميين سيجعلون الحياة المصرية دينية خالصة ليس لها حظ بالدنيا وتتعارض مع شؤونها، رغم الإرشاد القرآني الكريم الذي يوازن بين أعمال الآخرة ونصيب الدنيا، فضلاً عن أن الإسلام هو دين ودنيا، شريعة وعمران. والعمران حسب مفهوم العلامة ابن خلدون هو كل ما يرتبط بالمعاملات الدنيوية من أحوال الناس وشؤون الدولة وعلاقات الآخرين.
بتقديري أن النائب ممدوح إسماعيل لم يُوفق في هذا التصرف الإيماني برفع الأذان للصلاة على مسامع أعضاء مجلس الشعب، لأربعة أسباب: الأول أن عدم الأذان لا يعني تعزيز التوجه العلماني في محاربة المظاهر الإسلامية، وتكريس فصل الدين عن الدولة بحجة أن الأذان من الدين والبرلمان يمثل الدولة، إنما الإشكال في الطريقة المفاجئة وغير المتوقعة، فالإسلام الذي يأمر بالأذان هو الذي يأمر بالنظام وعدم الفوضى أو الإرباك أو على الأقل الاستئذان بالأذان أو التنبيه للصلاة. والسبب الثاني أن أعضاء مجلس الشعب مجتمعون على مصلحة وعمل، والإسلام يحمي المصلحة ويُعلي من قيمة العمل لأنه من وجوه عمارة الأرض. والسبب الثالث أن إشاعة الشعائر التعبدية للإسلام وتكريس قيمه السامية على كل المستويات بما فيها التجمعات السياسية كالبرلمان - مثلاً - لا تتم بتلك الاجتهادات المتسرعة والأفكار الشخصية إنما بما يتفق مع مصالح الناس. أما السبب الرابع وهو مرتبط بالسببين الثاني والثالث فكان الأجدى من قبل النائب ممدوح إسماعيل أن يتقدم بفكرة أو مشروع بث الأذان لأية صلاة عندما يحين توقيتها في الجهات والمصالح الحكومية والاجتماعات، بحيث يصل نداء التوحيد للجميع بطريقة هادئة ومعروفة، وبذلك يكون خدم الإسلام أفضل من تسجيل موقف شخصي.
kanaan999@hotmail.comتويتر @moh_alkanaan