تعاني كثير من دول العالم، ومنها بعض دول العالم العربي وغيرها مثل ايران وروسيا تحديدا ودول أخرى في آسيا وافريقيا وأمريكا الجنوبية من أعراض الربيع العربي.. فهذه الأعراض تلقي بسحاباتها وظلالها على تلك الدول، بينما تلك الدول - وتحديدا الأنظمة السياسية فيها - لا تعلم كيف تتصرف مع مثل تلك الأعراض..
ولاشك أن الحالات العربية التي أفرزت تغييرا في بعض الأنظمة جاءت مختلفة في ظروفها ومسبباتها رغم انها حققت هدفا واحدا هو رحيل النظام القائم.. وتظل هناك صعوبة في التنبؤ بالحراكات الشعبية، وحجمها، وتأثيرها وتداعياتها..
ويظل السؤال: هل لا تزال هناك أنظمة قابلة للتغير؟ وهل لا تزال هناك حراكات شعبية قابلة للتحول إلى قوة تغيير في مجتمعاتها؟
نعلم اكاديميا ان هناك علوما مستقبلية تتنبأ بحدوث تحولات نوعية في ظواهر مجتمعية أو ثقافية أو سياسية، ولكن يجب ان نضع امامنا عددا من المتغيرات التي يجب ان نغذي بها هكذا دراسة من أجل ان نتعرف على ايها أسباب مؤثرة وايها متغيرات محورية لها قدرتها في التنبؤ بحجم التغير، وقوته وسرعته.. ولهذا فإن الدراسات المستقبلية تعمل على تكوين عناصر أو متغيرات أساسية في بناء التحولات، ويتم تقدير قوة وحجم كل متغير أو عنصر من عناصر التغيير، ثم توضع في معادلات احصائية لمعرفة مدى تفاعل هذه المتغيرات مع بعضها البعض في افراز حدث أو مظهر أو تغير معين..
وفي نظري ان هناك عدة تحديات أمام كثير من الأنظمة السياسية في العالم، وتعمل جميع هذه التحديات على التشويش على صورة التغير المجتمعي، وتضيف ضبابيات تعمي الرؤية احيانا عن ما يمكن ان يحدث في المستقبل القريب أو البعيد في تلك المجتمعات.. وفيما يلي بعض من هذه التحديات:
أولاً: كيف يتم التعرف بشكل دقيق على عناصر التغير المحتملة في أي مجتمع.. بمعني ما هي العوامل والمسببات التي بوجودها يحدث التغير بالضرورة؟ وهنا لا بد ان أن نقف على دراسة واقع المجتمع واحتياجاته الضرورية، وتصنيف هذه الاحتياجات وفق مدى ملامستها للاحتياجات الشعبية.. وهنا دراسة توجهات المستقبل تكون مبنية على ارهاصات الماضي والحاضر.. ففهمنا للحاضر واستيعابنا لها سيقود إلى معرفة المستقبل والتنبؤ به..
ثانياً: التحدي الآخر يكمن مع افتراض معرفة النظام أو الدولة بتلك المتغيرات، فهل يمكن اعادة بناء الظروف وضخ بيئة جديدة تؤسس لمرحلة جديدة اقلها تحييد تاثير هذا المتغير أو المسبب الأساسي في بناء احتجاجات وتظاهرات من شأنها ان تؤدي إلى فرض التغير من الشارع، ومن الجماهير، بعد ان تفوت فرص النظام في التغير.. ولا يكفي ان نتعرف على مسببات التغير، ولا يكفي فهمها، ولكن يجب التعاطي معها بنجاح وفاعلية..
ثالثاً: تقديرات الأنظمة السياسية لحجم عناصر التغيير تعد محور ارتكاز أساسي في احتواء مظاهر أعراض التحولات، أو تفاقمها.. ولهذا فقد كانت ردة الفعل لبعض الأنظمة متفاوتة بين من رفضها جملة وتفصيلا، وبين من استوعبها في تغيرات هيكلية واضحة.. ولهذا فقد اجتاحت هذه الأعراض انظمة سياسية، بينما وقفت امام أنظمة أخرى.. ومن ينظر داخل العالم العربي وحولها سيجد ان هناك أنظمة تصدت لتلك المظاهر باصلاحات هيكلية أدت إلى تماسك تلك الأنظمة، ولكن البعض لم يتفاعل بالشكل المطلوب، ودخل في عالم جديد من الفعل وردة الفعل، والتقدير وسوء التقدير.
رابعاً: من أعراض الربيع العربي ما يمكن ان نسميه «الحدث الصغير»، فقد تساهلت بعض الأنظمة مع احداث صغيرة لم تتنبأ ابدا بتأثيرها على مجريات الأمور.. وتوقعت خطأ أن مثل هذا الحدث الصغير سيظل صغيرا ولن يؤثرا على نظام سياسي متمكن وله تاريخه وامكانياته.. ولكن هذا الحدث الصغير هو الذي هوى بتلك الأنظمة واستطاع أن يسقطها..
أعراض الربيع العربي بدأت تؤثر على مجريات الحياة الاجتماعية ليس فقط في العالم العربي، ولكن حتى في دول عظمي، مثل بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا وغيرها من الدول العظمي.. فبريطانيا تعاملت بطريقة مع مشاغبين وفوضويين، رغم انها حالة من تدرجات الحالة العربية، والولايات المتحدة تمكنت من استيعاب «احتلوا وول ستريت»، أما روسيا فقد تفرز المرحلة القادمة تحركات شعبية تؤثر على مجريات الانتخابات، وروسيا في واقع الأمر تنام على حراك مستعر مليء بالتناقضات السياسية والاقتصادية والفكرية.. وقد تحتاج إلى احداث صغيرة تشعل الفتيل.. اما ايران فكما يبدو فإن أعراض الربيع العربي قد بدأت تؤجج الحراك الشعبي هناك، وايران مرشحة لانفجارات عرقية أو مذهبية أو سياسية ستؤدي إلى خلخلة قواعد الأمن وزعزعة النظام، ولاسيما انها تعاني من عزلة دولية، وحصار اقتصادي.. وهذه المتغيرات الداخلية التي تغلي من سنوات، والخارجية التي بدأت تضرب بتأثيرها على الحياة العامة هي مسببات قوية في إحداث تغيرات جديدة في تلك الدولة.
(*) رئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود