هل يبدو واضحاً إلى أين تتجه الاقتصاديات العربية؟ خصوصاً أن السبب الأبرز في حدوث الثورات هي عوامل اقتصادية.
لنبدأ من تونس ومصر، وهما الحالتان الأكثر إيجابية نتيجة للاستقرار النوعي المأمول سياسياً، وعلى الرغم من الفارق الهائل بينهما، إلا أن الظرف العام لا يتفاوت كثيراً، إذا ما تجاوزنا الحجم والتأثير.
رغم الأرقام الكبيرة للخسائر التي سجلتها هاتان الدولتان بعد تعرض قطاعات فاعلة في اقتصاديهما لهزات، وتحديداً قطاع السياحة النشط في البلدين الذي يشكل أهم مصادر دخل الدولتين، ويؤمن فرص العمل والعملة الصعبة. فالسياحة في مصر تجلب 12 مليار دولار تعادل 11% من الدخل الوطني، بينما يشكل هذا القطاع 15% من الاقتصاد التونسي.
هناك ثقة بمصر، إلا أن مستقبل اقتصادها مرهون باكتمال الديمقراطية واستتباب الأمن في البلاد، وتحقيقهما سيؤدي إلى طفرات غير مسبوقة.
ويمكن لمصر وتونس أن تكونا دولتين جاذبتين للاستثمارات، عكس وضعها الطارد لهما حالياً. وهو ما يتطلب تطوير البنية التحتية، وإصلاح قوانين الاستثمار وتطمينات تتعلق بالاستقرار.
فيما أنظار المراقبين تترقب ما ستقدمه الحكومات الجديدة - بما فيها المغرب - من فتح للأسواق وطرح الفرص الاستثمارية، وخلق أجواء إيجابية منضبطة ومتحفزة لتحقيق نمو اقتصادي.
هذه الصورة المتفائلة في الشأن التونسي والمصري، قد تتفوق عليها سريعاً ليبيا بفضل النفط. فالنفط يمثل 96% من الاقتصاد الليبي وسيكون مصدراً مضموناً للعملة الصعبة، كما سيسهل جذب المستثمر الأجنبي.
لكن لنتذكر أن الاقتصاد الليبي لم يكن واضح المعالم، ولا توجد ميزانية، إضافة إلى غياب شفافية الإنفاق لعقود، وتحكم القذافي الشخصي بموارد الدولة. وأي تغير قادم سيكون مهماً لإعادة تركيب الاقتصاد الليبي وبناء هيكله. ولا ننسى ارتفاع نسبة البطالة أيضاً، ووقوع نحو ثلث السكان تحت خط الفقر.
في اليمن يبدو الاقتصاد الفقير والمنهك أصلاً على حافة ما بعد الهاوية. ومؤشرات الاقتصاد اليمني المتنازع بين الفساد والفقر المستقبلية سلبية. وكانت توقعات محلية أشارت إلى أن عجز الميزانية في اليمن عام 2011م وصل إلى «3.75 مليار دولار». وقطاع الإنشاءات والبناء الذي يعمل فيه نحو مليون شخص، يعاني حالة ركود أدى إلى فقدان مئات آلاف الوظائف. لكن وجود جيران أثرياء - دول الخليج - يشكل الإيجابية المركون إليها.
يبقى الوضع السوري الراهن خارج القراءة الاقتصادية مؤقتاً، لكن لا يمكن تجاهل الضغوط الهائلة على الليرة السورية وتوقف تحويلات العاملين في الخارج، والعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية الصارمة، إلا أن الوضع الإنساني والموجهات الأمنية هي التي تتصدر الاهتمام الآن.
فيما الوضع في البحرين يركز على توفير وظائف ومساكن بالدرجة الأولى، إضافة إلى مطالبات إصلاح سياسي متفاوت.
وتبقى دول الخليج، التي أصبحت أمام ضرورة تسريع خطوات خلق سوق اقتصادية حرة، توفر المزيد من الوظائف المشتركة للخليجيين وشن حرب جادة على الفساد المالي والإداري.