الخطأ في صحيفة أو مجلة يمثل سقطة يحاسب عليها من تسبب بها ابتداء برئيس التحرير وصولا إلى المحرر بل والمصدر الذي استقى منه المعلومة، ولتصحيح الخطأ أعراف مهنية يدركها أصحاب الصنعة والمهتمون، ويكمن الإصرار على نشر التصحيح بذات المكان وبنفس حجم المساحة لتوفير أعلى درجات الاحتمالية بإطلاع قراء الصحيفة الذين
تعرضوا للمعلومة الخطأ على المعلومة الصواب.
أسوق هذه المقدمة اليوم وقد استفزني مؤخرا كتاب قرأته للباحثة الأمريكية المعروفة جوان فيرانتي Joan Ferrante بعنوان Sociology a global perspective -Sixth edition، (علم الاجتماع من منظور عالمي)، وتعد الباحثة من الأسماء البارزة والمتخصصة في دراسات علم الاجتماع في العصر الحاضر، وهي حاليا أستاذة لعلم الاجتماع بجامعة كنتاكي بالولايات المتحدة الأمريكية، ومكمن الاستفزاز جدول تستعرض فيه الباحثة قائمة الدول الأعضاء في منظمة الأوبك التي خضعت للاستعمار الأوروبي، وقد وضعت الباحثة في كتابها المملكة العربية السعودية في قائمة الدول التي خضعت للاستعمار البريطاني ووصفتها بأنها نالت استقلالها من الإمبراطورية البريطانية عام 1960م.
الباحثة المرموقة وضعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أيضا في ذات الكتاب باعتبارها الدولة الوحيدة التي لم تخضع مطلقا للاستعمار وأنها نالت استقلالها مع الثورة الإسلامية الإيرانية بزعامة الخميني عام 1979م حينما أسقط الشاه محمد رضا بهلوي وتم نفيه إلى خارج البلاد، وكأن تاريخ إيران لا يبدأ إلا مع الثورة الخمينية وما قبله لا علاقة لإيران به!
ولكي لا نستسلم لردود الأفعال ينبغي أن نتجاوز الحدث - مع ضرورة التواصل مع الباحثة لتصحيح خطأها في الطبعات القادمة -، إلى السبب في وقوعه واستخلاص النتائج منه، والحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها أن التواصل الإيراني مع مراكز البحث والباحثين ومتابعة الإنتاج العلمي والفكري المتصل ببلادهم وبثقافتهم وحضارتهم بل وشرح الموقف الإيراني في القضايا الدولية رغم الحصار المفروض عليهم أكثر فاعلية منا نحن السعوديون، فالمملكة التي وحدها المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود تحت مسمى المملكة العربية السعودية عام 1932م لم تستعمر من أي دولة حسب ما يثبت التأريخ وليس لها يوم استقلال بل يوم وطني يرمز لوحدة البلاد، هذا الخطأ الذي افترض حسن النية فيه من الباحثة، توجد أمثاله الكثير من الأخطاء والافتراءات المقصودة أيضا، ورغم عقود الصداقة المزهرة والمواقف المشرفة التي تملكها المملكة مع الكثير من دول العالم إلا أننا غائبون وللأسف عن مسرح التواصل المعرفي والبحثي بشكل واضح.
أتساءل عن دور الجامعات السعودية والباحثين السعوديين بل ودارة الملك عبد العزيز والمؤسسات الحكومية والأهلية المرتبطة بالنشاط العلمي والبحثي وسبب غيابها عن المسرح الفكري والثقافي العالمي الذي تضخ فيه المعلومات المغلوطة حول بلادنا ومجتمعنا وثقافتنا دون حتى أن نرصدها فضلا عن الرد عليها وتوضيح الخطأ فيها! وإذا كان الكتاب الذي بين يدي في طبعته السادسة يتداول داخل أروقة الجامعات والمراكز البحثية فكم باحث اعتمد عليه وكم باحث وباحثة استقرت في قلبه وقلبها هذه المعلومات المغلوطة، وأي مساحة وأي موقع متاح لنا اليوم لتصحيح هذه المعلومات؟.. وقبل ذلك وهو الأهم: كم هو حجم المعلومات المغلوطة في الكتب والمجلات والصحف الأجنبية بل والعربية عن بلادنا ومجتمعنا ومتى سنكتشفها ونكتشف آثارها لتصحيح وعي المجتمعات حولنا؟
على الود نلتقي.. ودمتم إلى لقاء.
Eco-manager@al-jazirah.com.sa