أعود في كل مرة من الرياض محمّلاً بأشياء ثمينة! المناسبة كانت مهرجان الجنادرية الثقافي - الإعلامي. وأهم ما فيه، أننا نلتقي بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي أسس المهرجان منذ أكثر من ربع قرن من الزمن. وهو في كل عام، يدعو زائري المهرجان إلى الغداء ويتحدث أمامهم في شؤون ثقافية وأدبية، لا تخلو من سياسة. وفي جنبات المهرجان، فرص للقاءات عديدة مع مسؤولين سعوديين، يتم النقاش معهم في مواضيع المهرجان وأمور لبنان والمنطقة. وفي المهرجان نفسه، لقاءات بين صحافيين ورجال فكر، قد لا يجتمعون إلا في الجنادرية. فيلتقي الآتي من لبنان مع ذاك الواصل من مصر والعراق وإيران وبريطانيا وغيرها.
إلى ذلك، يزيد الجنادرية للزوار معرفتهم بالمملكة العربية السعودية. حتى أنني قابلتُ زميلاً قال لي بالحرف: «لطالما كنتُ أكتب مهاجماً سياسات المملكة في بعض المواقف. لكن ما إن أتيت إلى هنا وتعرَّفت إلى هذا البلد ونسيجه الجميل وقيادته الحكيمة المُحبة غير الباغضة، تغيّرت نظرتي عن قناعة».
هذه المرة الأوضاع ضاغطة في سوريا، الشقيقة والجارة القريبة للبنان. لذلك كان اهتمام السعوديين قوياً بهذا البلد، وكان اهتمامنا كصحافيين لبنانيين، بمعرفة تطورات الموقف السعودي وما يرتبط به خليجياً من هذه القضية. وأستطيع أن أقول في هذا المجال التالي:
1- كلام العاهل السعودي كان مختلفاً عن كل مرة سمعناه يتحدث في السياسة. ولم يخصصه إلا للشأن السوري، مما ترك انطباعاً واضحاً بأنه مستاء جداً من المجازر التي تُرتكب بحق الشعب.
2- الديبلوماسية السعودية التي لطالما كانت توصف بـ»الناعمة» سواء في مجلس الأمن أو في الجامعة العربية، لن تكون كذلك كما بيّنت المواقف الأخيرة وما سيليها.
3- في الموضوع اللبناني - السوري، ترى مصادر سعودية أن هناك عملاً كبيراً يجب القيام به لتحصين الساحة الداخلية اللبنانية تجاه الأخطار الحالية والمستقبلية. من هنا مطلوب القيام بخطوات إيجابية وأهمها نبذ الأنانية والتفكير بـ»الكل»، لصد أي قرار «خارجي» بتخريب الساحة اللبنانية.
4- ذكّرتنا شخصية لبنانية مسؤولة، أنه في عزِّ خلاف قوى 14 آذار مع النظام السوري إبان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان يقول خادم الحرمين الشريفين لوليد جنبلاط: إياكم وسوريا! مؤكّداً بذلك أنه مع وحدة سوريا وشعبها وأهلها. ناصحاً جنبلاط و14 آذار يومها بأن لا مجال أن يبقى لبنان على خلاف مع سوريا. وتشرح الشخصية أن عبد الله سامح النظام السوري أكثر من مرة خصوصاً بعد قول الرئيس بشار الأسد: «أنصاف الرجال». وهو قابل ذلك بالقول، بل يجب «إنصاف - بكسر الهمزة- الرجال» كالملك عبد الله!
5- ترى أوساط سعودية أن هناك شخصيات لبنانية تبيّن أنها غير ثابتة في مواقفها، وأن شخصيات أخرى أثبتت صمودها الوطني وحضورها القوي على الساحة اللبنانية.
6. يؤكّد محدثوك أن المملكة ستبقى إلى جانب كل لبنان كما كانت دائماً وأنها تدعم بقوة الوحدة الوطنية والدولة.
7. لاحظ معي زملاء صحافيون، أن عدد اللبنانيين الذين تمت دعوتهم من قبل رئاسة الحرس الوطني السعودي إلى جنادرية هذه السنة، كان كبيراً وصل إلى أربعين شخصاً وبهذا يمكن معرفة مدى الاهتمام السعودي بلبنان، خصوصاً بأهل القلم والفكر.
كل سنة أعود من الرياض، وفي جعبتي أشياء ثمينة! إلى دفتر ملاحظاتي التي كتبتُ فيه ما شاهدت، امتلأت حقيبتي بالتمر السكري، وببعض هدايا اشتريتها لزوجتي الحبيبة وأولادي الثلاثة من سوق الفيصلية!