بعد مرور عام على الثورات العربية، دعونا نعود إلى الوراء قليلا، ونقرأ الأحداث وما وراءها، والتسريبات، والتصريحات، والتناقضات، فليس الهدف الخروج بنتيجة بقدر ما هو قراءة هادئة، يترك الحكم بعدها للقارئ الحصيف. لنبدأ من تونس، ودعوكم من البوعزيزي والبدايات، ولنتذكر أن ابن علي غادر تونس في تلك الليلة الظلماء بعد أن أقنعه قائد الجيش بضرورة ذلك، وقد تبع هذا أحداث جسام تمخضت عن فوز «الإخوان المسلمين» بالسلطة هناك، وأصبح أشهر سجين سياسي تونسي هو الملهم والزعيم غير المتوج.
في تلك الأثناء، بدأت إرهاصات ثورة أبناء الكنانة، وكان في واجهتها شباب الفيس بوك، وفجأة ظهر من اللامكان شاب نحيل بالكاد يعرفه أحد، وقيل إن اسمه وائل غنيم، وقد جاء ليتزعم الشباب الثائر، وكان لافتا ترميز الإعلام الأمريكي لموظف صغير في مجموعة قوقل العالمية، وهو الذي عاش معظم حياته خارج مصر. الرئيس الأمريكي كرر حرص إدارته على رحيل مبارك، وبعد أن تباطأ الأخير أياما معدودات، جاء التأكيد بحزم: «عندما نقول ارحل الآن فإننا نعني الآن وليس الغد»، وبعد ذلك أسدل ستار الثورة، وكما في تونس فاز «الإخوان المسلمون»، وكأن غنيم وأصدقاءه خارج إطار الوجود.
وعلى حين غرة، وبينما كانت ليبيا تتململ، والقذافي يردد بأن ليبيا ليست تونس ومصر، استقلت بنغازي وما جاورها عن ليبيا في ليلة مشهودة وبشكل فجائي، وبدأت معركة شرسة كان واضحا أنها لا تميل لصالح الثائرين، فما كان من مجلس الأمن إلا أن انعقد بشكل سريع، وصدر قراره بمشاركة النيتو لحماية المدنيين، وكان واضحاً أن الهدف الرئيس هو إسقاط ملك إفريقيا. فجأة، وكما في حال غنيم المصري، ظهر رجل طيب الملامح وهادئ الطباع يقال له الشيخ مصطفى، وقد شبهه الإعلام الغربي بعمر المختار، وتقمص هو ذلك الدور ببراعة. لم يصنفه الناس، ولكن كان واضحا أنه رجل متدين، وقد جاءت حكومة ليبيا الثورية شبيهة له، فقد تسلم زمامها «الإخوان المسلمون».
ولا يمكن أن ننسى ظهور المتهم بالانتماء للقاعدة السيد بلحاج -من اللامكان أيضاً- ليلة سقوط طرابلس متزنداً سلاحه، وما تبع ذلك من دور أساسي له في كل ما يجري في ذلك البلد الذي تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى أن الانتهاكات التي تجري في سجون الثوار من قتل وتعذيب تشابه ما كان يجري في سجون القذافي.
تزامن مع كل هذا أمران هامان، أولهما هو فوز الإخوان المسلمين في عدة دول لم تطلها الثورات، وثانيهما هو أن عتاة المحافظين الجدد في الإعلام الأمريكي أمثال فريد زكريا وجورج ويل وغيرهم قد أشادوا بفوز الإسلاميين، وهم الذين كانوا يحملونهم كل سوءات العالم قبل ما يسمى بالربيع العربي. وختاما، أنا هنا أقرر عن حالات فحسب، وأظن أن هذا العام-2012- سيسعفنا جميعا للوصول إلى الاستنتاج الصحيح.
فاصلة:
» لا... لا يوجد في هذا العالم ما هو أخطر من الجهل».. مارتن لوثر كنج.
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2