|
في ليل الخامس والعشرين من شهر فبراير سنة 1992م قامت القوات المسلحة في جمهورية أرمينيا، تدعمها المليشيات الأرمينية في إقليم كرباخ في أذربيجان، وبمشاركة مباشرة من الكتيبة رقم 366 التابعة للجيش السوفييتي السابق، بارتكاب إبادة جماعية في بلدة كوجالي في أذربيجان (في الجزء الشمالي لإقليم كرباخ في أذربيجان).
وكوجالي بلدة صغيرة، كل سكانها تقريباً من الإثنية الأذربيجانية، وتقع في عمق إقليم ناغورنو كرباخ في أذربيجان. وبسبب اعتداء جمهورية أرمينيا ضد أذربيجان والتطهير العرقي ضد الإثنية الأذربيجانية داخل أرمينيا نزحت أعداد كبيرة من الأذربيجان المشردين داخلياً وأعداد من الأتراك المسخاتيين اللاجئين من أجزاء عدة من الاتحاد السوفييتي السابق، واستقروا في بلدة كوجالي، التي بلغ سكانها نحو 7000 نسمة.
تعرضت كوجالي للحصار منذ أكتوبر 1991. وفي تاريخ 30 أكتوبر عُطلت جميع وسائل النقل البري، وأصبحت الطائرات العمودية المدنية هي وسيلة النقل الوحيدة في البلدة، وقد توقفت لاحقاً.
وقبل الاعتداء ظلت البلدة بدون خدمات كهرباء وغاز أشهراً عدة. وقد صمدت البلدة بفضل شجاعة سكانها وبطولة المدافعين عنها.
ومنذ النصف الثاني من شهر فبراير أصبحت البلدة عرضة لهجمات يومية بنيران المدفعية الثقيلة. وقد بدأ الإعداد للاعتداء على كوجالي مساء يوم 25 فبراير، عندما أخذت الكتيبة 366 مواقعها حول البلدة.
وبدأ الاعتداء على البلدة بقصف كثيف استمر لمدة ساعتين من المدفعية الثقيلة والدبابات والراجمات، أعقبه هجوم بري بواسطة القوات المسلحة الأرمينية تدعمها الكتيبة 366.
ودخلت القوات المعتدية البلدة من ثلاثة اتجاهات، وقتلت الأبرياء المدافعين عن البلدة، ودمرت المساكن وحرقتها. وتمكن الناجون من تحميل بعض ممتلكاتهم الثمينة على الشاحنات والهروب في اتجاه بلدة كانكندي.
ولما كان الهجوم على البلدة من ثلاثة اتجاهات فقد أُجبر المدنيون الفارون على مغادرة البلدة في اتجاه أغدام على طول نهر غرغار؛ فنصبت لهم القوات الأرمينية كميناً قرب بلدة ناكشينفانيك، وهنا تمت الإبادة الجماعية.
لقد أبادت هذه القوات النساء والأطفال والشيوخ إبادة تامة بطريقة لا تعرف الرحمة. وقد قتل المعتدون أهالي كوجالي بقسوة لم يسبق لها مثيل؛ إذ أحرقوهم أحياء، ونزعوا فروات رؤوسهم، واقتلعوا أعينهم!
فمأساة كوجالي، تلك الإبادة الجماعية التي ارتكبتها القوات الأرمينية، أنهت حياة 613 من أهالي البلدة، من بينهم 106 من النساء، و63 طفلاً، و70 من المسنين، وأُصيب في الاعتداء 487 من المدنيين، وأُسر نحو 275، وفُقد نحو 150 آخرين.
واقتادت القوات المتعدية كذلك 1275 من المواطنين المغلوبين على أمرهم من النساء والأطفال، وعرضتهم لأسوأ أشكال المعاملة القاسية والتعذيب والإهانة بدرجة لا يمكن تصديقها.
وتُعتبر مأساة كوجالي صفحة دامية من سياسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي انتهجتها القوات الأرمينية ضد الشعوب ذات الأصول التركية والأذربيجانية.
ومورست هذه السياسة في فترات منفصلة لمصلحة بعض الدول، بجميع الوسائل المسموح بها والمحظورة، وفي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالإرهاب الفكري.
وقد اضطهدت القوات الأرمينية أبطالنا، واحتلت أرضنا، وصادرتها.
وفي نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أدت ادعاءات إقليمية لأرمينيا ضد أذربيجان إلى صراع عسكري واسع النطاق.
ونتيجة لهذه السياسة الخبيثة احتلت القوات الأرمينية نحو 20 % من أراضي أذربيجان، ومات وجُرح عشرات الآلاف من المدنيين، وهُجر مئات الآلاف من المواطنين من ديارهم، وأصبحوا لاجئين ومشردين داخلياً.
(*) سفير أذربيجان