ما معنى أن تُنشئ مدينة ضخمة للصناعات التعدينية في شمال البلاد؟ ما معنى أن نلتفت لجزء غال من هذا الوطن؟ لا نريد أن نقول إن وجود الفوسفات بكميات اقتصادية في الشمال هو السبب في إنشاء هذه المدينة الصناعية هناك فحسب، هذا أمر محسوم، لأنه ليس من الطبيعي أن تنقل المواد الخام إلى مناطق أخرى من أجل الصناعات التحويلية، لكن الأهم هو أن تلتفت الدولة إلى هذه الثروات المعدنية وتستغلها بشكل مثالي، هذا الاستغلال يعود الكسب فيه للوطن والمواطن بشكل غير مباشر، عن طريق إضافة 15 مليار إلى الناتج المحلي، وبشكل مباشر عن طريق توفير فرص وظيفية مباشرة وغير مباشرة.
طبعاً الوظائف المباشرة المتوقعة في مدينة وعد الشمال للصناعات التعدينية يتوقع أن تكون في حدود 2700 وظيفة مباشرة، وهذا أمر مهم، رغم أنه لا يشكل رقماً مؤثراً، سواء في أرقام معدلات البطالة، أو في ما خصصته الدولة من ميزانية ضخمة لمشروع المدينة تبلغ 26 مليار، ولكن لنتجاوز الوظائف المباشرة إلى غير المباشرة، وهي الأهم والأكثر تأثيراً.
فعلى سبيل المثال يؤكد المهندس خالد المديفر الرئيس التنفيذي لشركة معادن أن هناك ما يزيد عن عشرين فرصة استثمارية، سيتوفر من خلالها أكثر من 22000 وظيفة غير مباشرة، لأنها ستتم عن طريق الشركات الاستثمارية التي ستفوز بعقود العمل في هذه المدينة الضخمة للصناعات التعدينية، وهذا الرقم الوظيفي قد يجعل نسب البطالة في منطقة الحدود الشمالية في أقل مستوياتها، لكن السؤال المؤرق، الذي سيطرحه القارئ، أو المواطن في شمال البلاد، ما الذي سيضمن الوظائف لنا؟ هل سنعود إلى لعبة القط والفأر؟ لعبة نسب السعودة، وحكايات وزارة العمل المسلية؟ طبعاً لن نخرج إلا بزيادة أرقام الأجانب العاملين في البلاد، بحجة احتياجات سوق العمل، وكأنما هؤلاء الغرباء القادمين عاشوا حياتهم كلها في إنتاج فوسفات الكالسيوم وإنتاج حامض الفوسفوريك، وكأنما شبابنا غير قادر على إدارة هذه المصانع وتشغيلها!
لعل لي الحق، من خلال هذه الزاوية، أن أناشد المهندس المديفر، وقبله وزير البترول المهندس النعيمي، ووزير العمل، بالتكاتف من أجل تدريب أبناء الشمال وتأهيلهم من أجل قيادة هذا المنجز الصناعي الضخم، لأنه لن تكتمل فرحتنا وسعادتنا إلا بأن تدار مشروعاتنا الصناعية بكوادر أبنائنا، تماماً كما لم تكتمل سعادة آبائنا إلا بعد سعودة كبرى شركاتنا النفطية، أعني أرامكو، الأمر كذلك أيضاً مع قطاعات التعدين والغاز، لن يشعر الوطن بالفخر والأمان إلا باكتمال إدارة مشروعاته الحيوية، تلك التي تؤثر في الاقتصاد الوطني، إلا بأن يكون المواطن هو من يقودها ويشغلها أيضاً، فلا تكفي الوظائف التشغيلية وحدها، ولا تكفي الوظائف القيادية وحدها، بل لابد أن يتم وجود المواطنين فيهما معاً.
أظن أن المسارعة في دعوة الشباب وتدريبهم لهذه المشروعات، هي أولى خطوات نجاح مثل هذه المدن، سواء في مجال الصناعة التعدينية نفسها، أو الجوانب التشغيلية المساندة من كهرباء وطرق وسكك حديدية وغيرها.
هل يتحقق الوعد، وعد الشمال، لأهلنا في شمال البلاد؟