بإيجاز شديد، وبألفاظ موحية، وتعبير مموسق، اختصر لنا الأمير الشاعر (عبد الله الفيصل)، يرحمه الله، تحولات وجدانية، اعترته، وهو الأمير، كما اعترت غيره من سائر الناس، الذي تتشكل أمزجتهم على وقائع الحياة، ومراحلها الخاصة بهم، يقول في آخر مطاف له، أو بتعبير أدق في إحدى فواصل حياته المهمة والحاسمة:
لا الصدّ يشجي، ولا لقياك تسعدني
فما أنا مثل ما قد كنت تعهدني
فما أنا بالذي تغريه بارقة
من الوصال، ولا الهجران يهدمني
نسيت ما كان من حب وموجدة
شغلت عنها بما يصبو له وطني
* مع مرور الزمن، والتقلبات السيكلوجية، والفيسلوجية للنفس الإنسانية، تتبدل العلائق الوجدانية تدريجيًا، والبشر يتفاوتون في التعبير عن هذه المتغيرات، بقدر ما يتاح لهم، وبمقدار ما يمتلك من وسائل التعبير، والفن بأنواعه إحدى الوسائل المعبرة لدى من يمتلك الموهبة، ومن فقد شيئًا من ذلك، وظلت قدرته على التعبير محدودة، أو غير متاحة، فربما قاده ذلك إلى الوحدة، أو العزلة، أو الانفصام الشخصي.
* ما سبق من توطئة لا يخلو من الإمتاع الفني فحسب، أما المحور الأساس فيتمثل في هذه العبارة، أو الشطر من القصيدة (شغلتُ عنها بما يصبو له وطني)، والاستدراك على ما فات على الإنسان في ربيع حياته نعمة من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، والإنسان أيّاً كان مرهونة أعماله بالخواتيم، وأعظم بلاء يبتلى به الإنسان حينما يتغير المفهوم، أو ينقلب عند بعض الناس، فتمسي خواتيم حياته كبواكيرها.
بالتأكيد في هذا البلد المعطاء، أوجه الخير كثيرة متنوعة، تستمد دوافعها من الدين الإسلامي الحنيف، وأجزم أن مجتمعنا في طليعة المجتمعات، فهناك فئات ليست قليلة أسهموا في نهضة وطنهم، وتنمية المجتمع، والالتفات إلى حاجاته ومطالبه، بذلوا من مالهم، ووقتهم، وجهدهم، لذا بقيت آثارهم ومآثرهم ماثلة للأجيال حتى بعد وفاتهم، ولئن نسيهم الناس، وهو مستبعد، فلن تنساهم أضابير التاريخ، وأقلام المؤرخين.
* المشاركة في نهضة الوطن، ليست مسؤولية الدولة فحسب، ولا يمكن أن تكون مؤسساته ـ مهما كثرت ـ ملبية لجميع الاحتياجات، ومن هنا تجد الرغبة عند المواطن الصالح في الانخراط بالعمل الخيري، أو من خلال مشاركته في تأسيس مؤسسات المجتمع المدني التي تكونت نواتها لدينا متأخرة، وبدأ المجتمع يقطف ثمار جهودها. لكن على الضفة الأخرى من ضفاف الحياة رجال انتكست فطرتهم أواخر حياتهم، فأمسوا سلبيين أمام وطنهم ومجتمعهم، بل وحتى مع محيطهم الأسري، باعوا مبادئهم وقيمهم، وتجردوا من النخوة والاعتزاز، لم يلتزموا بأي ميثاق، ديني، أو اجتماعي، أو وطني. أغرتهم الحياة وبريقها، وساروا خلف سراب خادع، فأصبحوا معاول هدم من حيث لا يشعرون بخطورة المسلك.
dr_alawees@hotmail.com