القوة التي بها نباهي قلّما تستمر، نادراً ما تدم. تلك القوة عُرضة للتفتت، كما وأنها مُعرضة للتفتيت. القوة بدنية كانت أو ذهنية، لا تمنحنا مؤشر الدوام الكامل والمستمر أو الممتد. ذلك لأن صدمات الحياة بجانب تقلباتها التي لا تكف تُخبرنا بأن القوة التي نمتلكها غير ثابتة أو متموجة تموّج البحر وبالتالي نحن بحاجة ماسة لإمدادات تدعم هذه القوة وكبسولات تثبتها بالإضافة إذا المراقبة والعناية بها.
يحدث أن تفزع في منتصف النوم على حلم يقوّض دعائم القوّة التي نمت عليها. ما هي تلك القوة؟ هي أشياء كثيرة روحية أو ذهنية أو ذاتية، نمت وأنت متسلح بها متمرس فيها، بيد أن الحلم الذي رأيته قوّض أركان قوّتك، ثم ولج بك في نفق القلق والخوف وعدم الاطمئنان، وأخذ بيدك إلى دهليز تفسير ذلك الحلم، وأنه ليس حلماً عابراً، ولا يمكن أن يكون مجرد أضغاث أحلام، ولماذا فلان بالذّات أحلم بتلقي نبأ وفاته، وفي حياتي أشخاص غيره وأفراد أكثر!! قوّتك في الإيمان بالقضاء والقدر لا تقل عن قوّة إيمانك بأن شيئا من الأحلام همزات شيطان لا أكثر، هذا الشيطان هو ذاته الذي استطاع إضعاف قوتك وبالتالي إصابتها بالوهن.
الحلم وشاحه الأمل والسعادة والجمال والتطلع لما هو أفضل من خلال غرفه التي ندخلها كلما أخذتنا سنة من نوم وانغمسنا في النوم تماما.
الأحلام تتخطى العقل الواعي لتلج منطقة اللا وعي، منطقة العقل الباطن، تحفر فيه وتفتش عن الذي لا نملك أن نرتكبه في الوعي، عن الذي لا يملك مواجهته، تحفر وتفتش في ماض توهمنا نسيانه. تلفت نظرنا إلى معاناة كنّا نعيشها في الطفولة لكن عقلنا الواعي لم يفصح عنها ونحن في سن الطفولة بل دفنها في اللاوعي وغيّبها عن الذهن تماماً. فهل إظهارها في الوقت الذي انكشفت فيه مُرتب له من العقل الواعي أو عشوائية حلم أو ماذا وربما محاولة إضعاف قوّة الشخص في كبره وقد كان ضعيفاً في صغره الضعف الذي ترتب عليه دفن المعاناة ربما لعدم قدرته على الإفصاح عنها أو التصريح بها.
تضع رأسك على المخدة وتدخل في نوم عميق هادئ ومريح فتتلقى اتصالاً يخبرك أن فلانا انتقل إلى رحمة الله وتفزع من نومك الهادئ العميق رافعاً رأسك عن المخدة يشل تفكير الخوف والقلق على هذا الفلان شلل يضعف قوة عقلية عُرفت بها.
القوّة قدرة لا يمكن أن نعطيها الثقة الكاملة، وقوة فوقها قادرة على سحقها هي قوة الخالق -سبحانه-. من ذلك القوة البدنية أو قوة المنصب والمكانة واستغلالها ضد الآخرين بطشاً وظلماً وعدواناً وتنكيلاً. التاريخ خير ممثل لقوى عظمى نالها الانهيار ومسحها، إلا عن التاريخ، التلاشي والتفتيت.
قد يتسبب طفل بريء في إضعاف قوة شخصية جبارة امتد جبروتها وتجاوز حدود الحيز الذي يملكه أو يأمر عليه. ولأن التاريخ لا تتوقف مطابعه عن الهدير نراه مستمرا في تدوين سقوط القوى العظمى قوة تلو القوة، السقوط الذي يفترض أن يكون درساً وعبرة للجبابرة والطغاة بدءاً من طغيان الصغير على من هم تحت يده من أسرته وأهله وحتى أكبر مسئول.
الأشياء الصغيرة مثلها مثل الأشياء الكبيرة، ينبغي عدم الاستهانة بها في تقوية ضعيف أو إضعاف قوي، وبالتالي فإن قوّة العقل والذهن ورجاحته أهم قوّة ينبغي الاشتغال عليها، لأنه إذا كان العقل قوياً مد صاحبه بقوى عدة من ذلك قوة الجسد ومتانة التصرف، قوة الجسد وقوة المادة وما شابه قوّة ضعيفة هشة إذا لم تتحقق لمن يمتاز بعقل قوي ومتين؛ لأنها في وضعه هذا يتحلى بقوّة عظامها معرّضة للهشاشة.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @Hudafalmoajil