إذا كانت أهمية الحدث تُقاس بمدى تأثيره على أرض الواقع.. فإن لمهرجان الجنادرية أسبقيات في التأثير وانفرادات على أرض الواقع تجعله علامة قائمة بذاتها في التاريخ الثقافي السعودي والعربي.. فقد كان من أهم المحفزات الأولى للحراك الثقافي الذي تعيش المملكة اليوم آثاره. تأثير مهرجان الجنادرية على الحراك الاجتماعي السعودي منذ النصف الثاني من الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي هو الذي مَهَّد الأرضية وهيأها للحوار الذي أطلقه الملك عبد الله - حفظه الله- مطلع القرن الحالي ممثلاً في مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.
والخمسينيون منا لا شك يذكرون الحراك الثقافي وتشكل التيارات الفكرية الأولى في المملكة أوائل الثمانينيات.. وأن منصة الندوة الثقافية الكبرى بمهرجان الجنادرية كانت هي التي أطلقت الإعلان الأول للتشكيلات الفكرية وظهور الرموز والوجوه والأصوات التي تمثّل كل تيار.. من منا لا يذكر صدام الحداثيين بالصحويين.. وكيف انطلقت بعدها في بلادنا أفكار وآراء وإبداعات متنوّعة مختلفة حديثة لم يعتدها مجتمع تقليدي محافظ.. نعم كان منبر الجنادرية منبر تأسيس مهماً في الحراك الثقافي السعودي وما زال.
ذاك كان التأثير المحلي للجنادرية.. أما التأثير الأممي فهو استضافة المئات من أهم الوجوه الثقافية في العالم العربي والإسلامي والدولي سنوياً.. وهذه خدمة للمثقفين وللثقافة السعودية والعربية لها قيمتها وتأثيرها الذي يلامس العالم العربي أجمع. أما على المستوى الإبداعي فإن الأوبريت الذي يقدّم في المهرجان يمثّل قيمة ثقافية عالية ويعتبر أسبقية سعودية وهو اليوم انفراد عربي.
إن المتتبع للفكر والسلوك التنموي للملك عبد الله خلال الخمسين عاماً الماضية سوف يجد أنه حوّل الحرس الوطني إلى أكبر جهة إسكانية في المملكة حتى تاريخه.. وصاحب المرتبة الثانية في عدد المدارس بعد وزارة التربية والتعليم.. وأنه الثاني في تقديم الخدمات الصحية بعد وزارة الصحة.. والثاني في المنشآت الرياضية بعد رعاية الشباب.. وهو راعٍ لأكبر مؤسسة ثقافية في المملكة.. ويقيم أضخم مناسبة ثقافية في العالم العربي.. وكلها من العلامات الدالة على الفكر والسلوك التنموي للملك عبد الله.
الجنادرية علامة سعودية يجب أن تبقى وتزدهر.. كما يجب حمايتها بجعلها قادرة على الاستمرار بمواردها الذاتية وحمايتها من الوقوع ضحية اختلاف التيارات الفكرية فهي جهد وطني جامع.
الطموح للجنادرية ثقافي ترفيهي تنموي ولا نملك سوى الدعاء للقائمين عليه.