في رحلتي السياحية للأحساء بصحبة بعض الأصدقاء الأسبوع قبل الماضي، زرنا مركز الملك فهد للجودة، والذي يقوم على نشر فكر تطوير جودة التعليم في المنطقة الشرقية، هذه الزيارة تركت في نفسي أثرا، فقد أعجبني ما يقوم به العاملون في المركز على رصد الممارسات المتميزة في العملية التعليمية وتوثيقها ونشرها، حتى يتم استنساخها في مختلف المدارس، بعد أن عدت للرياض اتصلت بالصديق الدكتور عبدالرحمن المديرس (مدير عام التعليم بالمنطقة الشرقية ورئيس مجلس إدارة المركز) ورجوته أن يعمم هذا المركز في عموم المملكة في صورة استنساخ جيني، وكذلك حبذا لو كان هناك مركز لنشر جودة التعليم الجامعي، ومن خلال الحديث تبين لي أننا بحاجة لمركز نشر الجودة في كل شيء. القضاء، الشؤون الاجتماعية، الأمن، المرور، الطرق، البلديات،، إلخ. فالجودة لدينا في الممارسة العامة والخاصة متدنية بصورة تعيق النمو والتطور.
الجودة كمفهوم هي الالتزام بالهدي النبوي «من عمل منكم عملا فليتقنه» فتقانة العمل تضمن تقانة المنتج سواءً كان سلعة أو خدمة، هذا التفكير يرتقي بالمنتجات الاقتصادية وكذلك الخدمية، فيتطور المجتمع ويتحسن العائد من نشاطه ويقل الهدر وتتكون في المجتمع ثقافة لا تقبل سوى الجيد، مما يحسن من المنافسة فتكون نحو الأفضل وليس نحو الأرخص، كما هو سائد الآن. كثير من القطاعات التجارية والصناعية باتت تتبارى في الحصول على شهادة الآيزو في الجودة، وهذا بحد ذاته أمر جيد، ولكن الملاحظ أن الهدف منها هو هدف تسويقي، لذا نجد من تلك المؤسسات من يفقد الاستمرار في تحسين الجودة بمجرد الحصول على الشهادة، وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن مفهوم الجودة لم يتأصل بعد في الذهنية الوطنية، فكثير من القطاعات الإنتاجية لا تدرب منسوبيها على تحسين الإنتاج وتكتفي بما يجلبون معهم من مهارات، كما أن كثيرا من القطاعات الحكومية لا تدرب منسوبيها ولا تهتم بتثقيفهم بمعايير الجودة في العمل ومنها من يستخدم ميزانيات التدريب في مكافأة الموظفين بانتدابات لا يذهبون لها ودورات خارجية لا يحضرونها، لذا باتت الثقافة الاجتماعية تجاه الخدمات والسلع ثقافة سعرية فانتشرت البضائع الرديئة والخدمات الناقصة.
إن زرع مفهوم الجودة في المجتمع لا يقتصر على جوانب دون جوانب، فنحن بحاجة لتنمية الفكر أولاً، بحيث يصبح المواطن يطلب الجودة في كل شيء ولا يقبل ما هو غير جيد حتى لو كان مجاناً، والأجدى أن يتجذر اهتمام الدولة بالجودة كعنصر من عناصر الخدمة العامة، بحيث يفرض على كل جهاز حكومي وضع معايير للجودة، بهذا نستطيع أن نحسن من الخدمات ونخفض من التكاليف، فالمنتج الجيد وإن ارتفع سعراً فهو لا شك أنفع وأبقى، حيث تمتد المنفعة منه أكثر من المنتج الرديء والرخيص.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail