منطق اللسان وحسن البيان حروف وكلمات تخرج من فيه ِالمخلوق العاقل فتُحسب عليه، فيُحاسب عليها وتُحسب له فيحسن رأيه. حُسن المنطق من كمال العقل وثقافة الإنسان تنبُع من مخزونه التعليمي والمُكتسب من دينه ومجتمعه وعاداته وتقاليده ومقدار الحُرية التي مُنحت له من ذاته ووجدانه، فكل صاحب لُب عاقل له رؤيا من منظوره الخاص، فالمنطق يحكم بعدم مصادرة فكر الآخرين حتى وإن كانت أفكارهم مخالفة لرأيك فحُسن الإصغاء زيادة في المعرفة، وهذا الحِوار الوطني الذي يتنقل في جميع مناطق المملكة من وقت إلى آخر وبشكل مُنتظم وبكامل أعضائه ولِجانه المُنبثقة عنه والحضور المتميز من مختلف شرائح المجتمع لمناقشة الموضوعات المدرجة في جدول أعماله، وجاءت هذه اللقاءات وسط أجواء مُفعمة بالإيمان الصادق لأهمية هذا التوجه الطموح وبالحوار والاستماع إلى الآخر حيث أخذ منحى يدعو للأمل والتفاؤل، والحمد لله، وانعكس على النتائج الإيجابية من خلال الحوارات واللقاءات التي تمت في الفترة الماضية. يأتي حرص واهتمامات خادم الحرمين الشريفين الملك المبارك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- حيث شدد على تذليل الصِعاب ليمضي قُدماً هذا الحِوار الوطني نحو الآفاق وما يتطلع إليه الجميع لأن فيه كل الخير لتقريب وجهات النظر ومعرفة الأفكار والتطلعات ولتضييق الهُوة بين كل الشرائح لنعيش مجتمعاً متماسكاً مُتحاباً يقبل الرأي والرأي الآخر في أجواء أكثر طمأنينة وألفة لتحقيق الأهداف المرجوة. ولما كانت المجتمعات بعد تفرقها مُتباعدة أصبحت كامل الكرة الأرضية قرية صغيرة تتكلم بمُختلف اللغات وتناقش بتعاليم الأديان ويطالبون بحرية التعبير المسؤول، فما كان من الملك المفدى إلا أن أطلق البادرة الحسنة التي تُسجل له في سِجله الناصِع مع مسيرته المُباركة الطيبة عندما أمر بالحِوار مع الجميع والإصغاء والنقاش بالدليل والبرهان وألاّ نجعل بيننا وبين المجتمعات الأخرى مع اختلاف دياناتها ومذاهبها وثقافتها ولغتها حاجزاً يمنع التواصل، وإن مبادرته -رعاه الله- التي تهدف إلى ترسيخ مفهوم الحِوار بين أتباع الأديان والثقافات كأساس للتعايش السلمي، التفاهم والحِوار البنّاء بين الشعوب والثقافات ضروري وأمر مُلحّ لترسيخ السلم والأمن الدولي، ويقع على عاتق المنظومة الدولية مسئولية في وضع الأطُر وخلق الأرضية والمناخ الملائمين للحِوار والتسامح وتنمية ثقافة حقوق الإنسان بعيداً عن التعصب والطرف والعنصرية، فهذا الأمر قارب بين كل أبعاد العالم في شتاته ومن أطرافه ووضّح الصورة التي ننطلق منها، ومحا الصورة السوداء التي وضعنا بها بعض الدخلاء من الجاهلين وممن لبسوا عباءة الدين، وقد أثمر هذا الحِوار وضع تقارب كبير بيننا وبين الغرب، مما وضعنا بالصورة النقية وعلموا أننا أصحاب دين وقيم، ديننا السلام وننادي بالسلام، حوارنا المنطق والبعد عن التشدد، ومن حق الإنسان أن يعيش بكرامة ومحبة وأمن وأمان، وإن اختلفت العادات والأديان والتقاليد، وهذا هو مبدأ الحِوار البنّاء الذي يهدف إلى الالتقاء وعدم التنافر ومصادرة الرأي الآخر بل الاستماع إليه ومن عادانا أصلحناه ويبقى الحِوار حقاً للجميع، ولكننا لا نقبل مُزايدة على ديننا وعاداتنا وتقاليدنا فهذه قيمنا التي نعتز بها فلا نـُحيد عنها أبداً بإذن الله تعالى.