إذا أردت أن تزن ثقة وإيمان المنادي لما يدعو له، سواء كان مذهباً أو نظاماً وحتى حكماً، فانظر ببساطة إلى نهجه مع المعارضين والمشككين، إن كان قمعاً وفرضاً سيطرة وترهيباً ووعيداً، وشتائم وإقصاء وتصنيفاً، فاعلم أنه محض هراء وجهل وأهواء، وقضية ليس لها مستقبل، لا تستحق الاتباع ولا النصرة.
ولو تأملنا الرفض الإبليسي الأكبر لأمر رباني مباشر، وما تبعه من إعلان التحدي والتمرد، برغم أن الله سبحانه وتعالى يعلم سبب العصيان، إلا أنه منح إبليس حق الإيضاح الذي لم يتعدَّ الحسد والأفضلية بينه وبين آدم عليه السلام.
وتمتد عطايا المدرسة الربانية المدهشة، وذلك بترك العاصي يسرد خطته لتحطيم التوحيد والإنسانية، وإعادة نشر الفساد والظلم بين بني آدم ما بقي حيًا.
أليس من المنطق الإنساني السطحي أن يُعذب إبليس ويهلك في حينه! ولماذا يُسأل عن أسباب عصيانه! والسؤال الأهم كيف يُترك بعد أن أعلن بصراحة مطلقة نيته الخطيرة؟
إن تخليد هذه القصة شاهدٌ على أن الحق لا يخشى الباطل، والنور يبدد الظلام، والواثق مما لديه لا ترعبه أو تربكه دعاوى الضلال، فمتى أصبح تكميم الأفواه مبدأ، والبطش بالمعارضين مصيراً، سقطت الثقة ودخل الشك من باب خفي.
فمما نخاف إذا كنا نؤمن حقًا بأننا على حق وبصيرة؟
رغم أن المعارض يمنح صورة واضحة لمواطن النقص والضعف في السياسة لن يقدمها الأنصار، إلا أن القسوة عليه لها دلائل على عجز الطرف الآخر عن الإجابة، وخوفه من بيان جهله يدفعه إلى مواقف عدوانية مبطنة، في محاولة ماكرة للعزف على وتر العاطفة، وذلك بتبني الخطاب العاطفي لإيقاظ نخوة البسطاء، وتحويلهم إلى قنابل موقوتة في طريق المعارض، وتهديد غير مباشر للبقية المعارضة بصمت، تلك البقية التي ستدخل عالم النفاق مجبرة؛ لتقول وتعمل ما لا تؤمن به، وينطبق عليها ما قاله ديفيد فيسكوت: «إن أقوى حلفائك يساندونك لأنهم مؤمنون بك، لا لأنهم يخشونك. إن حليفك المجبر على مساندتك ما هو إلا عدو ينتظر حتى يتسلح بالقوى الكاملة».
والتاريخ سجل شواهد دامية ومجازر وحشية افتعلها الواثقون من زيفهم، لعل آخرهم ما يحدث في الحبيبة سوريا، وحتى على مستوى أصغر في الجماعات والمؤسسات والأسرة وصولاً إلى العلاقة القائمة من اثنين، يبقى المعارض والموقف المتخذ تجاهه خطاً فاصلاً بين الحقيقة والزيف، المصلحة الجماعية والشخصية.
إن حرية الاقتناع والاختيار صمام أمان لمن يحمل رسالة يحترمها، ويصدق ما جاء فيها، ويفهمها، ويستطيع أن يوصلها بالعقل والمنطق، والحجة والبرهان، وإهماله أو العبث به بمنزلة إعلان انهيار وشيك بتوقيت لا يخضع لمؤقت.
خارج النص: لن تحب شيئًا بحق.. قبل أن تعشق ذاتك وتتقبل ما فيها.