الرحلة بين الرياض وجدة لا تزال ممرا متعثرا...
بين مأوى هبوط الطائرة ومدخل المطار مسافة تشاهد فيها مواقف الطائرات، وبعضا من مستودعات الشحنات المفقودة أو هكذا يبدو... وسحنات القادمين يمررون الوقت في مهاتفاتهم، رجل الأعمال يتفقد عربته تنتظره.. أو يتأكد من سكرتيره عن بعض معاملاته المنتظرة لتوقيعه.., وآخر يبدو متعمدا يشرح شيئا عن صفقاته ليهابه الجالسون، وتحديدا ليكون من حقه الإقتعاد في الأمام،.. وتلك التي شرحت للراكبين مكانتها الاجتماعية، والمالية وهي تتحدث بصوت عال أزعج الركاب, فيه تفصل عن ميزانية يومها الذي انتهى بها في رحلة ساعة بين الرياض, وجدة حيث يعدون لها مأدبة العشاء الذي تنتظره لتتمم صفقة عقارية رابحة...
والطريق بين سلم الطائرة وسير الحقائب لوحة ضوئية تتقافز للذاكرة فيها تلك الأيقونات من البشر...
بينما كان هناك مرافق ذكي أمضى الرحلة في قراءة إيليا أبو ماضي، كأنه يخرج من الواقع بقضه وقضيضه لبراح يحلق فيه
على جناحي الشعر والأخيلة، وأمطار أبي ماضي التي لا تزال تزخ جمالا ورونقا ودفقا للتأمل والمدى...
جدة، تستقبلك برائحة البحر و»النهى بين شاطئيها غريق»...
وذلك الوجه الروحاني الأليف المتجذر في أروقة القلب تطوف تفاصيل وجهه طيلة الدرب لبيته في مخيلتي، تقترب من نبض يخفق شوقا إليه..
الرحلة من البيت في الرياض للآخر في جدة.. تهون عثراتها، وتتلاشى خدوش الأيقونات بتلك الرائحة العبقة في كفه الحنون...
المثول بين يديه جنة..
والرحلة الأسبوعية نحوه اتجاه آخر للانعتاق من دكن اللوحة العريضة في المسافات.., لوضاءة المدى الذي يتشذى بعبق أنفاسه، وتطهره دعواته...