أفّ. يا لهذا الزحام الخانق!! قال صديقي المثقف ونحن نخترق أفواج الناس التي تتجه أو تخرج من معرض الكتاب.

قلت له: أف عليك، أو بالأحرى (أفا) عليك. لم لا تقل ما أجمل هذا الزحام الفائق، الشائق، إنه كرنفال الثقافة ومهرجان الوعي وأعراس المعرفة واحتفال الفكر. إن هذا الزحام البهي يعيد ذاكرتنا المزدحمة بالضجيج طوال العام - إلى أول كلمة نزلت على رسول هذه الأمة (اقرأ) وبالعربية الفصحى التي يزدهي بها هذا المعرض الذي يحتوي على آلاف الكتب التي تفتخر بهذه اللغة الغالية التي شرفها الله بأن تكون لغة القرآن الكريم أسمى الكتب السماوية والأرضية أيضاً. ولذلك سُمي الفرقان بـ(الكتاب) وأخذت (المكتوبات) الدنيوية تتسمى باسمه الكريم أي الكتاب، وحينما تطورت وسائل الكتابة والطباعة وصار الكتاب يُطبع آلاف النسخ ويتوزع في أرجاء الدنيا عبر وسائل النقل المتقدمة وعرفت المجتمعات أهمية الكتاب في مجال التعليم والتثقيف وتطوير العقول بالمعرفة واستيلاد الأفكار من خلال وبفعل تلقيح الوعي، لذلك أصبح الكتاب هو زناد الابتكار والصناعة والتنوير والاكتشاف والإبداع. وحينما أدركت الأمم مدى تأثير الكتاب على العقل والرأي أصبحت تشيّد له المكتبات وتقيم له المعارض السنوية. بل تتنقل بها إلى سائر أنحاء الكرة الأرضية عبر ما يُعرف بتلاقح الثقافات وتثاقف الأمم، ومن هنا فإن من يسوؤه قيام معرض الكتاب أو محاولة إفشاله فإنه العدو الأول للثقافة والوعي والتقدم والحضارة والعلم بل إنه لم يمتثل لأمر الله عز وجل حينما قال في كتابه العزيز {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

* * *

يبقى القول أخيراً: إننا ومن خلال معرض الكتاب نريد أولاً أن نقرأ، ونريد ثانية أن نعلم المزيد مما علم القلم. ونريد ثالثة أن (نتعلم ما لم نعلم)، فإذا كان ذو فائدة لنا فسنعمل أو نستفيد منه، وإذا كان ذو ضرر نبذناه وحذرنا منه. فمن اقتنع منا اقتنع ومن لم يقتنع منا فهذا شأنه والله الهادي إلى سواء السبيل.