من المشاهد والأصوات المألوفة في العيدين وخصوصاً عيد الفطر هو مشهد الأطفال وهم يلعبون بالألعاب النارية والتي تسمى «الشروخ» و»الصواريخ»، وهذه رغم أنها ممتعة إلا أنها لا تخلو من مخاطر، أبرزها أن تنفجر وهي مقاربة للجسم مما يسبب ألماً وحروقاً. الحروق ليس عميقة شاملة بل محدودة ولكن من تجربتي في الطفولة فالألم لا حدود له! انفجر أحدها في يدي ذات مرة وسبب ألماً شديداً رغم أنه لم يؤثر على طبقة الجلد، وظللت لفترة أتأمل الأمر في عقلي وأفكر «كيف يمكن لحرق بسيط لم يترك أثراً أن يسبب هذا الألم البالغ؟»، وأعتقد أن جزءاً من السبب هو تفسيرٌ علمي يفيد أن الأعصاب كثيفة في بعض أماكن الجسم وأقل كثافة في مناطق أخرى، فهناك أماكن مثل اللسان تكتظ بالأعصاب وأي جرح يسبب ألماً فائقاً، وهناك أماكن أقل حساسية مثل الظهر، وهذه ضربوا لها مثلاً طريفاً، فيقولون: إنك إذا فرّقت بين أصبعيك السبابة والوسطى وصنعت منهما رقم سبعة ثم نخزت ظهر شخص فلن يشعر بكلا الأصبعين وإنما بواحد فقط، ولأني أفضل التجربة العملية لكل شيء أقدر عليه فقد جربت هذه على ثلاثة أشخاص قبل كتابة هذه السطور وكانت النتيجة واحدة: لما لمست أظهرهم بأصبعين قال كل منهم: إنه لم يشعر إلا بأصبع واحد فقط! هذا لأن الأعصاب متوزعة في الظهر بلا كثافة تماثل اللسان مثلاً، والرابط هنا هو أن الأصابع فيها كثافة عصبية تزيد الشعور بالألم.
لما تعمقت في هذه المعلومات بدأ هذا يلقي ضوءاً على تساؤلي الأصلي في صدر هذه المقالة، واكتشفت أن الحروق والجروح السطحية يمكن أن تكون أشد ألماً من جروح أعمق، وهذه كل من تعامل مع الورق يعرفها، فهل يمكن أن تنسى ألم جروح الورق؟ ورقة بالغة الرقة لا يكاد يوجد لها وزن ومع ذلك تجرح جرحاً أليماً حارقاً!
وهذه تجدها أيضاً في الحروق البالغة، ففي الطب يستخدمون درجات لتصنيف الحروق، وهذه تبدأ من الدرجة الأولى التي تعني حروقاً سطحية ثم الثانية والتي تعني حروقاً نزلت أسفل البشرة إلى الأدمة، وهاتان الدرجتان مؤلمتان، أما إذا كان الحرق شديداً ووصل للدرجة الثالثة والرابعة فهنا يذهب الألم لأن الحرق يدمر الأعصاب والأوعية الدموية فلا يبقى إلا ألم طفيف ترسَّب من حروق الدرجة الثانية.
وهذه كلها – حفظنا الله وإياكم- تأتي غالباً من حرائق كبيرة لا تكثر في الحياة اليومية ولله الحمد، وكلما تعمق العقل في أحجام الحرائق زاد التساؤل، فيا ترى، كيف يشعر من يتعرض لانفجار صهريج بنزين؟ أو قذيفة صاروخية؟ هذه كلها تعرض لها أناس ونجا منها الكثير، حينها قد يصعد الفضول إلى أكبر تساؤل: ما هو شعور من تنفجر عنده أم القنابل: القنبلة النووية؟ والحقيقة أن هناك من نجا من هذا الانفجار مثل الياباني سوتومو ياماغوتشي والذي نجا من الانفجاريين النوويين في هيروشيما وناغازاكي والذي رأيناه في موضوع سابق، لكن شاء الله أن لا يكون سوتومو بالغ القرب من الانفجار، أما من تقتله القنبلة فيمكن معرفة ما يشعر به، ورغم أنه يصعب تقديرها بدقة إلا أننا نستطيع أن نقول: إن من هو قريب من انفجار نووي فسيتفتت قبل أن يشعر بشيء. السبب هو أن الجسم عندما يشعر بألم فإن إشارات الألم لها سرعة محدودة، وهي نصف متر في الثانية وترسلها الأعصاب للمخ، أما الانفجار النووي فهو أسرع من هذا بكثير، ولن يرى الشخص الانفجار حتى، فرغم أن سرعة البصر عالية إلا أن انتقال الإشارات البصرية للمخ ومعالجته لها تأخذ وقتاً، وأثناء ذلك إذا بالانفجار يفصلك إلى ذرات قبل أن ترى أو تشم أو تتذوق أو تشعر بالانفجار، هذا طالما أنت في نطاق 162 متر أو أقرب، أما إذا كنتَ أبعد من هذه المسافة قليلاً فإن الذي سيقتلك هو موجة الصدمة مثل أي قنبلة عادية.
بطريقة أخرى يمكننا أن نقول: إنه بمجرد انفجار القنبلة النووية فإنه في جزء من الثانية ستنطلق موجة هائلة من الطاقة الكهرومغناطيسية تخترق كل ما حولها بسرعة الضوء وتنقل الطاقة إلى كل خلية في الجسم، خاصة خلايا العظام، مما يعطل كل الإشارات الكهربائية ويجعل الجسم يشتعل ويضيء كأنه مصباح كهربائي متوهج، كل هذا يحدث في أعشار من الثانية قبل أن يدرك الكائن ما حصل.
لا شك أن العلم أعطانا الكثير من المنافع، ولكن الجانب المظلم للعلم الحديث هو هذه الأسلحة البشعة التي تنزع معنى الإنسانية من المعادلة والتي ستظل وصمة عار على العلم للأبد، نسأل الله أن يكفي المسلمين شرها.