من ميزات هذا العصر حين خرجت العلوم الخاصة لتصبح ملكاً للجميع. في السابق كان هناك مشاهير في الطبخ - مثلاً - احتكروا الطبخ لسنوات عديدة, لكن الآن انفضحت أسراره وأصبح متاحاً للجميع, إذ يمكن للرجال والفتيات والأطفال أن يطهون طبقا مميزا بمواصفات جيدة.. ولم يعد المطبخ حكرا على مشاهير الطهاة أو على النساء!.
«الإبداع».. هذا المصطلح كان يطلق على الفنانين والمصممين والشعراء و.. إلخ.
لكن الآن أصبح ضرورة يومية للحياة الحديثة, وكلمة واسعة خرجت من إطار الفن والشعر لتشمل يومياتنا وأمورنا الأكثر بساطة. بإمكان أي منا أن يكون مبدعاً.. لا حاجة لأن تمسك فرشاة ألوان وترسم أو قلما لتكتب. فقط أنت بحاجة لأن تغير طريقة تفكيرك الاعتيادية.. غيّر مثلا الطريق اليومي الذي تسلكه للذهاب إلى مكتبك.
ابتكر طرقا جديدة في التعامل مع من حولك, حتى المزعجين والمغضبين منهم. لا تعتمد على خبرات من حولك, أبويك أو إخوانك, جدد أساليب تعاملك وردودك وحتى نُكاتك.
بإمكاننا أن نبتكر في كل شيء.. في حلول لمشاكلنا اليومية. حينما انتقلت من الشرقية لأقيم في الرياض شعرت بحالة غريبة من عدم التأقلم مع الجو الصحراوي, وحالات افتقاد جارفة واحتياج صارخ للبيئة البحرية التي نشأت فيها. أذكر أنني طليت حائط بيتي بالأزرق, وزرعت ريحانا ووردا مُحمديا ورازقيّ. واشتريت مجموعة أحواض سمك. إن هذه الحلول البسيطة التي ابتكرتها عوضتني كثيرا وأشعرتني بنوع من الألفة مع المكان!.
الإبداع ليس هو الخروج عن المألوف وحسب, وإنما هو أن نفتح آفاقا جديدة لأن نعالج الملل في حياتنا وما يعترضنا من مشاكل ومصاعب. لا يوجد عقدة إلا ويوجد لها طريقة لحلّها, لكننا بحاجة لإطالة التأمل واستخدام مخيلاتنا. ولا حرج حتى لو حسّنا من أوضاعنا السيئة بأن ننطلق في أحلام اليقظة!.
الابتكار يشبه جهاز راديو, ما أن نضعه في حالة on.. حتى يستقبل ذبذبات ومسارات وسبلا متعددة لأن نمارس حياتنا بطرق مبتكرة تضفي علينا متعة دائمة ورضا عن الذات. استخدمت الإبداع اليومي في حياتي حتى لكأنني لا أتصور أن هناك حالة مستعصية لا يمكننا أن نخترع لها حلا. حلول صغيرة ومرحة بإمكانها أن تكفينا عبئا كبيرا. وخصوصا في المِحن والظروف القاسية, إنها بيئة جيدة لأن تحرك خيالك. سيدات البيوت بإمكانهن أن يبتكرن حلولا في التوفير وإمضاء الوقت وتسلية طفل حزين, وتغيير ديكورات المنزل والتأمل وإنقاص الوزن وتهدئة طفل غاضب!. الرجال بإمكانهم اختراع طرق لتنظيم الوقت, ولتنفيذ الأعمال الشاقة بطرق ممتعة تضفي عليهم نوعا من المرح, بإمكانهم أن يديروا المشاكل اليومية بطرق مختلفة وتجربة ردود فعل متباينة.
حتى الأطفال بإمكانهم أن يبتكروا ألعابا من أغراض البيت وأدوات الزينة وحتى من المهملات!. الابتكار للجميع فقط اكسر القالب, ولا تجعل الطوارئ تعرقل حياتك. الحياة لعبة جميلة بإمكاننا ابتكار طرق مختلفة لممارستها!.
kowther.ma.arbash@gmail.com