مع تعارض جدول تدريسي المسائي لطالبات “الماجستير الموازي” من قسم الاجتماع وقسم التاريخ لكل من مقرر علم اجتماع سياسي وعلم اجتماع وطني عدة أيام وسط الأسبوع مع الجدول المسائي للنشاط الثقافي المصاحب لمعرض الكتاب الدولي الذي قامت وزارة الثقافة والإعلام..
.. بالاجتهاد الناجح الذي لم يخلُ من إخفاق في إعداده، فقد حضني فضول معرفي فتي لا يكبر وقد تحالف معه تقديري لجهود الزملاء الذين قاموا بالإعداد والزملاء المنتدين على حضور لمحة من ذلك النشاط الثقافي المنبري. وإن اضطررت في ذلك للاعتماد على مقولة مالا يدرك كله لا يترك جله, فقد توقعت في موضوع ندوة يوم الإثنين الموافق 12-3-2012 للساعة الثامنة والنصف مساء، ما يمكن أن يكون ذا صلة ببعض من أهداف مقرراتي المذكورة أعلاه في خلق وعي سياسي وطني، فاقترحت على الطالبات وخاصة من تسعفها المواصلات و”الأذون الأسرية “ بحضور تلك الندوة التي جاءت بعنوان الثقافة الحقوقية. ولي أن أقول هنا إن النوافذ التي فتحها موضوع الندوة حول ثقافة الحقوق والأسئلة التي أثارتها في أذهان الحضور حول ما استطاعت طرحه أو ما أضمرته أو لمحت به بعض أوراق العمل المقدمة في الندوة، قد عوض الحضور النسائي الذي شهدته بعضاً من حالة الامتعاض التي تسبب بها “العلو النائي” لمقصورة النساء في القاعة مما جعل منبر الندوة يبدو بعيدا عن التفاعل، كما تسبب فيها ذلك “النظام الصوتي الآلي المنحاز” المستخدم للربط بين مقصورة الرجال ومقصورة النساء لنفس قاعة الندوة الذي جعل زر التحكم في الصوت الآتي من عند النساء في يد شبكة الاتصال القائمة بقاعة الرجال.
ولي أن أقول هنا أيضا بالجهد الجميل الذي قدمه كل الزميلات المتحدثات د. فوزية البكر، د. فوزية باشطح ود. فريدة بناني وإن ظل هناك تطلع بأن نسمع من الدكتورة فريدة التجربة المغربية الرائدة ودورها هي وزميلاتها في العمل على إعادة قراءة حقوق المرأة من منظور فقهي يمثل وجهة نظر ومصالح النساء في إقرار وثيقة لمنظومة حقوق المرأة الشرعية. هذا دون أن أنسى الإشارة لمجهود مدير الندوة الأستاذ عبدالعزيز السويد وورقة الزميل د. صالح الخثلان وبعض المداخلات الشجاعة في القاعة بشقيها النسائي والرجالي.
على أني لن أقف هنا إلا إشارة عند أبرز النقاط التي جاءت في الندوة مما أرجو أن تتطور أوراقه ليصدر مع الندوات الأخرى في كتاب يصير بمثابة كتاب سنوي تنتجه وزارة الثقافة والإعلام بعد سنوية المعرض الدولي، مما يدفع لمزيد من الدقة والتجويد في العمل المطبوع على العمل المنبري مع إضافاته في ضوء النقاش. وقد كان حسب متابعتي مجمل تلك النقاط مما جاء في عروض المنتدين وتعليقات الحضور يتمثل في التالي:
1 - القول بأن ثقافة الحقوق ممارسة يومية وليست دروسا وعظية تلقى في المدارس أو على المدرجات.
2 - القول بأن هناك فقراً في الثقافة الحقوقية بالمجتمع العربي ككل وبمجتمعنا السعودي منها يستبدل المطالبة بالحقوق إلى استسلام لقسوة الواقع وإن أجحف في الحقوق ويسوغ هذا الموقف بذريعة الرضى بالمقسوم والتسليم بالقدر بشكل يعفي الطالب والمطلوب من مسؤولية المطالبة بالحقوق أو العمل على إحقاقها.
3 - القول بالحاجة لتفعيل نشاط المجتمع المدني الحقوقي وإعطاء التشكيلات الاجتماعية المختلفة حق تشكيل جمعيات وهيئات حقوقية عاملة في المجالات المهنية والطلابية وأي مجالات حياتية أخرى تخص أي من القوى الاجتماعية كالنساء مثلا.
4 - القول بأهمية نشر الوعي الحقوقي على مستوى مجتمعي عام.
5 - القول بحسمية وليس فقط أهمية القرار السياسي في ترجيح كفة الحقوق بالمجتمع لإقرارها وحمايتها وتطبيقها.
هذا مع ملاحظة مفارقة ملفتة في هذا الندوة أن تلك النقاط جرى طرح معظمها من خلال أطروحة حقوق النساء وليس عبر أطروحة عامة بحقوق الإنسان، نظرا لأن معظم أوراق العمل قد ركزت على ذلك الجانب من الحقوق ومع ذلك فقد أفضى الحديث عن حقوق النساء إلى الحديث عن حقوق الإنسان عامة وحقوق المواطن السعودي. مما يكشف عن ذلك الترابط العميق في الكيف والكم بين النساء والرجال حين يتعلق الأمر بمسألة الحقوق المدنية والسياسية بالمجتمع السعودي وربما بالمجتمع العربي عامة.
مقدمة للمقال
“مداخلتي التي عطلها المايكرفون”
الحمد لله الذي وهب لي نعمة القلم وزاد عليها نعمة ضافية أخرى هي نعمة مفاتيح المحمول فلا يضيع حقي إلى ما غير رجعة ولا يذهب صوتي أدراج الرياح حين يلحق عطب - ما - بالمياكرفون أو يُقفل عن بعد. وهنا مداخلتي على الندوة أعلاه مكتوبة وقد تعطلت لغة الكلام.
“ أشكر الزملاء والزميلات على الطرح المستنير وأرى من وجهة نظر علم الاجتماع السياسي أن الحديث عن ثقافة الحقوق عامة وعن الحقوق خاصة بالمجتمع السعودي على وجه التحديد يستدعي المصارحة بين الدولة والمجتمع. فما دمنا بصدد الحديث عن ثقافة الحقوق فمن حق الحاكم كمواطن وكحاكم المصارحة بحقيقة الأمر للإطلاع على الواقع كما هو لا كما يميل “الوسطاء” لتزيينه. وفي نفس الوقت فمن حق المحكوم الشعور بالأمان وتوفير جميع أسبابه وضماناته عند إعطائه للحاكم ما للثاني على الأول من حق المصارحة.
وخلاصة القول هنا إننا لا نستطيع الحديث عن ثقافة الحقوق أو عن الحقوق نفسها دون أن نجيد قراءة معيقاتها النسقية الواقرة في عقر دار بنية النظام السياسي والاجتماعي، العالقة في حنجرة خطابه السياسي، المحددة لطبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع, والمشتبكة مع علاقة القوى الاجتماعية فيما بينها داخل المجتمع الواحد على اختلاف المسافات التي قد تربط كل واحدة من تلك القوى في علاقتها بالسلطة الحاكمة.
وهنا في إيجاز لا يخلو من خلل الاختصار, يمكن تشخيص عينة من هذا المعيقات العضوية في النقاط التالية:
1 - يصعب تطور ثقافة الحقوق في مناخ ينشغل بثقافات بديلة عن ثقافة الحقوق. ولا يجد السبيل إلى كفاية حاجاته بالمطالبة بالحقوق بل بفعل العكس أي التنازل عنها أو السكوت عنها أو في أحسن الأحوال استجداءها. وهذا لا يكون إلا في تلك المجتمعات ذات الصبغة الأبوية في علاقة الدولة بالمجتمع والتي تجعل من الإمعان في الإذعان والتقرب وسيلة لنيل المطالب كنوع من الثواب على الزلفى بينما قد تؤدي المطالبة بالحقوق إلى العقاب بمزيد من الحرمان منها أو بتنويع درجات العقاب الشخصي للمطالبين بها كلما ارتفعت درجة المطالبة أو المجاهرة بتلك المطالب.
2 - يصعب الحديث عن ثقافة الحقوق في المجتمعات التي تضطلع فيها “الدولة بدور رعوي”, وتقتصر فيها وظائف الخدمات المجتمعية والمهام الوطنية على الحكومة أو الهيئات والجمعيات الحكومية وإن تسمت بمسميات موحية كحقوق الإنسان أو حقوق المواطنة أو سواها, لأن “رعوية الحكومة” من ناحية و”أبوية الدولة” من ناحية أخرى تعمل على إضعاف حس الحقوق لدى المواطنين أو على الأقل تعمل على خلق بدائل له تبدو كأنها أشباه بالحقوق مما يتمثل في الأعطيات والمكرمات والمنح الرعوية الأبوية.
3 - يصعب الحديث عن ثقافة الحقوق في المجتمعات التي لا تشكل فيها الحقوق منظومة محددة ومقرة ومكتوبة ويتساوى الجميع فيها أمام القانون, باعتبارها جزءًا عضويا من بنية الدستور او أسس نظام الحكم التي يجري في ظل أنظمتها إدارة العلاقة بين الدولة والمجتمع.
4 - لا يكون الحديث عن ثقافة الحقوق ولا عن الحقوق نفسها, إلا ضربا من أماني “النخب المثقفة المستنيرة” لايؤدي لأكثر من ذر الرماد في عيون الإعلام أو تزيين الخطاب الرسمي بالوعود أو بالجهود الأكاديمية ومصطلحاتها التفخيمية أو الغامضة إذا لم يتح تطوير مجتمع مدني لا تتوزعه الولاءات بين أن يبقى في بنيته ووظائفه مرتبطا بمفهوم الرعية وبين أن يتطور في بنيته وفي أدائه ليتحمل مسؤولياته الأهلية وليشارك مع الدولة في تحمل المسؤولية من خلال منظومة واضحة من الحقوق المدنية والسياسية والتزام بالواجبات الوطنية.
وهناك نقاط إضافية ولكن لا تسعفنا مساحة المقال. هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
***
* الشاعرة سعدية مفرح
تحية خاصة لوجود الشاعرة الكويتية سعدية مفرح بيننا على هذا المنبر الثقافي لمعرض الكتاب في أمسيتها اليوم الأربعاء. فقد بقي عسل ابتسامتها يضيء داخل وخارج المشكاة بقصائد غاية في العتمة وبتعدد أطياف النور طوال النهار وما بعد مساء الندوة أيضا.
* الغاليان فاطمة وفواز
أفتقدت بحدة حضور الزميلة العزيزة فاطمة العتيبي معنا لاستغراقها في وجعها الجلل على فقد زهرة البنات “ رغد فواز بونيان”. مع أني لم أملك إلا الإكبار والإعزاز وأنا أراها تنثني هي ورفيق دربها على الجرح ويعضان الكتف باحتساب وإباء. أجار الله الزميلين العزيزين وآجرهما على الفقد الجارح واجتراحمهما لأسطورة الصبر ومقاومة الحزن الضاري بحزن نبيل. وجعل الصبية الصغيرة في جنة الفردوس بإذنه تعالى.
***
عنواني
يبقى الزميل العزيز د. خالد السيف في شهد كلماته الشفيفة الشاهقة المشتقة من قدسية اللغة وغواياتها, فقد تحولت وعددا من أفراد أسرتي من البنات والأبناء إلى سرب فراشات تلاحق كهرمان تلك الكلمات المؤذية في جمالها وهذيانها الجماعي دون أن تترفق بنحول العود ورهافة الوجدان التي ألحقها تحدي السرطان بكل منا على حدة.
على كل بيت فوزية أبوخالد من السهل أن تدلك عليه كل بحيرات السراب ونوافير الندى وعذوق الماء وعنابه وياسمينه البري وفله البلدي المعرش من أعلى خاصرة الصحراء إلى قاع الصمان مرورا بجنون أمواج أبحر بجدة وسواد البساتين التي كانت تؤرق الطائف من المثناه إلى غدير البنات. إنه في تلك المنطقة الرملية البحرية الغائرة بين المهوى الأول واللحاف الأخير، ضع رمزها الرياض أو بريدة أو ملهم أو مكة أو نجران أو تاروت ودارين في جوجل وسيدلك لضالتك ضميرك المؤرق لك ولسواك على ما يبدو.
Fowziyaat@hotmail.com