يبدو أن ارتفاعات السوق المالي الحالية أثارت استغرابًا ودهشةً لدى العموم وقد يكونوا محقين بذلك؛ لأن السوق كان أداؤه سلبيًا منذ انهياره قبل ست سنوات، مما أفقد الثقة به من غالبية المستثمرين ولم تعد ارتفاعاته تعطيهم انطباعًا بأنها عودة مجددة له في رحلة ارتفاع طويلة، ولكن النشاط الحالي للسوق الذي وصلت تداولاته اليومية لمستوى ستة عشر مليار ريال تدل على مشاركة واسعة من المستثمرين وعودة بعضهم للسوق أو دخول شرائح جديدة له، وكلما زادت الارتفاعات سنجد عودة أكبر للمستثمرين الغائبين عن السوق منذ سنوات، وهو قرار سلبي؛ لأنه يكون تابعًا للون الشاشة دون ارتكاز على معطيات علمية تدعم قرارهم أن عودة السوق للارتفاع والتحسن الكبير به ليست وليدة صدفة لمن يتابع أوضاعه وتطوراته منذ سنوات، فالسوق تضاعفت عدد شركاته عمّا كان عليه قبل الانهيار وتحسنت الأنظمة فيه كثيرًا وانخفضت مكررات الربحية فيه والقيمة الدفترية كذلك، وأصبح بقيمه الحالية محط أنظار المستثمرين الأجانب من الخارج ومنذ فترة وهو يخضع لمراقبة كبرى المؤسسات المالية العالمية وتصدر تقارير تدعم التوجه له لكن سبب استغراب المستثمر المحلي يبرره غياب التقارير المكثفة التي يمكن لها أن توضح حقيقة السوق وما فيه من قيمة مضافة ومخاطر بنفس الوقت، ولذلك غابت الفرص كثيرًا عن المستثمر المحلي في فترات سبقت هذه الارتفاعات ولم تلعب المؤسسات المالية المحلية دورًا تسويقيًا كبيرًا لتوضيح القيم المتوفرة بالسوق من خلال تقارير دورية مكثفة من الجميع، وكذلك ضعف دور الإعلام في تغطية واسعة ومستمرة عن السوق المالي حتى يتم المساهمة بتقريب العموم لوضع السوق ويلتفتوا له قبل فترة جيدة، بينما نجد أن الاهتمام بدا يرتفع إعلاميًَا بالفترة الحالية وحتى المؤسسات المالية أصبحت تغذي السوق بالتقارير بمختلف أنواع التحليل وهذا الغياب للمعلومات والتغطية الإعلامية سابقًا والعودة لتصاعدها حاليًا يضع الجميع بالمربع الأول للتعاطي مع السوق المالي، فقيمة الفرص ببداياتها وليس بعد أن تحلق وتظهر للعيان دون الحاجة للإشارة لها من أحد وأذكر مثالاً من الأسواق العالمية، فقبل تسعة أعوام كانت التقارير المالية تتحدث عن شركة آبل التي كان سعر سهمها أقل من عشرة دولارات.
وأوضحت التقارير قيمة منتجها الأول في حينها آي بود وتوقعت لها ارتفاعًا هائلاً بالأرباح وغذت التقارير النظرة الإيجابية لها عند طرح الشركة لباقي منتجاتها الحالية اليوم وبعد هذه السنين التسع، آبل سهمها بخمسمائة وعشرين دولارًا وقامت بمنح سهم مجاني أي أن من استثمر بعشرة آلاف دولار بآبل يملك مليون دولار حاليًا هذه الثروة تحققت بتسع سنوات وهذا المثال ينطبق على الكثير من الشركات الأمريكية وكذلك كانت تصدر تقارير على شركات كبيرة في حينها سلبية وكانت النتائج مطابقة لتلك النظرة، إن أبعد نظرة تقدم عن شركة أو قطاع بالسوق السعودي لا تتعدى عامًا واحدًا ولا تحمل غالبيتها معلومات واسعة وتفصيلية تدعم قرار المستثمر سلبًا أو إيجابًا، كما أن الإعلام بصفة عامة لا يتحرك بتغطيته للسوق المالي إلا بطريقة تابعة لحركة السوق الحادة أي لا يوجد توازن بالتغطية فتناول السوق المالي يجب أن يكون حالة مستمرة ترصد التوجهات وتفندها وتواكب التطورات بتوازن حتى لا يكون هناك اختلال بخلق تأثيرات انفعالية عاطفية على المستثمرين من أهم عوامل دعم المستثمر بالسوق المالي أو الراغب بالاستثمار فيه هو وضعه بالتطورات وإيصال المعلومات له من كل الأطراف المهنية بالسوق.. الشركات المدرجة والمؤسسات المالية وذلك عبر وسائل الإعلام التي تبقى معذورة بجانب شح المعلومات التي تصدر عن السوق ومنه، فالاستغراب هنا يبقى في عدم تغطية السوق بالمعلومات والتقارير المستمرة وليس بحركته أيا كان اتجاهها.