لخصت بعض هموم الطالبات في كليات التربية للبنات في جامعة الملك خالد بأبها التي تفجرت أحداثها خلال الأسبوعين الماضيين بعضا من الهموم المشتركة التي تعاني منها المراكز النسائية الجامعية في معظم أنحاء المملكة
وللتعريف بتلك المراكز لمن ليس قريبا منها نقول بأن معظم جامعات المملكة المخصصة للبنين حرصت على إتاحة فرصة التعليم الجامعي للقطاع النسائي في منطقتها من خلال إنشاء مراكز جامعية للطالبات تفتح فيها الكليات المختلفة أقساما موازية من حيث التخصص لما في الكلية الأم ويتم إدراتها أكاديميا من خلال الأقسام الرجالية بوكيلة أو ممثلة في قسم النساء تدير احتياجات الطالبات ومشكلاتهن الأكاديمية للقسم الرجالي
وتدريجيا ومع كبر حجم عدد الطالبات الملتحقات بهذه الكليات كبرت هذه المراكز بشكل غير مسبوق (على سبيل المثال: يوجد عدد من المراكز وليس واحدا وكلها تتبع لجامعة الملك سعود بالرياض مثل: مركز للتخصصات الإنسانية يضم كليات الآداب والتربية وإدارة الأعمال والحقوق والترجمة وبه ما لا يقل عن واحد وعشرين ألف طالبة! وآخر للتخصصات العلمية وآخر للتخصصات الطبية وهكذا ) وتشكلت هيئات إدارية ممثلة للإدارات الرجالية مثل عمادة القبول والتسجيل وعمادة شؤون الطلاب... إلخ. تديرها وكيلات للرجال في أقسام النساء لكنهن لا يملكن نفس الصلاحيات وبقين في خانة التنفيذ وعينت عميدات أو مشرفات على هذه المراكز لكن ما موقعهن الإداري فعلا إذ لا يوجد لهن موقع في النظام الأساسي للجامعة ولا يصوتن في المجالس مثل مجالس الكليات أو مجلس الجامعة.
إذن من أين تأتي المشكلة أصلا والجامعات حرصت على فتح قنوات التعلم للطالبات من خلال إتاحة معظم التخصصات ( وليس جميعها بالطبع فهناك ممنوعات ومحظورات في تعليم البنات!!).
تأتي من طبيعة هذا التكوين الهجين على وجه التحديد فحينما قررت الجامعات فتح الأقسام كان لابد من معاملتها أكاديميا مثل البنين وتصريف شؤونها من خلال أقسامهم لكن كيف يحدث ذلك ورئيس القسم نفسه لا يرى طالباته ولا يتعامل ولا يستطيع أن يقيم موظفاته من النساء؟ يجري ذلك من خلال من يوكله من النساء ممن تتوسم الجامعة فيهن القدرة والموضوعية والعلم لكن هؤلاء الدكتورات لا يملكن أية صلاحيات فعلية هن فقط ينفذن ولذا تبقى المطالب دائما معلقة أو غير معرف بها بدرجة كافية لأن لا عين لرؤساء الأقسام ليحكموا بطريقة موضوعية وانسحب الأمر على اللجان فهل تشكل لجان نسائية على مستوى القسم النسائي وهل يعتد بقراراتها ما دام أنها غير مقرة من مجالس الأقسام؟؟
وغير ذلك كثير على مستوى الشؤون الأكاديمية لكن أيضا خلقت هذه المراكز بيئة تعليمية غريبة مناخا وواقعا.. فهذه المراكز في معظمها إما مبان قديمة للجامعة رحل عنها الرجال إلى منشآتهم الجديدة و أسكنوا النساء فيها بكل عيوبها ومشكلاتها التي دفعتهم لبناء مواقعهم الحالية كما هي حال جامعة الملك سعود مثلا (ستنتقل الطالبات في جامعتنا بعد أشهر قليلة لمبانيهن الجديدة والحمد لله بعد أكثر من أربعين سنة من الانتظار) أو هي مبان مستأجرة لم تعد لأن تكون بيئة أكاديمية جامعية بما تعنيه الجامعية من معنى كما هي حال معظم مراكز المناطق ولذا لم يدهشني أن أقرأ في تقرير الخبيرة الأجنبية عن كليات جامعة الملك خالد الذي نشر في الشرق والوطن وأشار إلى قذارة الحمامات وانقطاع المياه فهي حالة متكررة حتى في كليات العاصمة فكيف تطمح بنات المناطق أن يجدن ماء جاريا لا تحلم به بنات العاصمة وإن وجد الحمام أقفل للهيئة الإدارية أو التدريسية وتحار الطالبة أين تذهب وخاصة الحوامل!! وفي حين يتمتع مثلا كل ذكر (تقريبا )يعمل في الجامعة بتلفون خاص لمكتبه (كل دكتور وكل سكرتير وكل إدارة) لا نحلم نحن الدكتورات ولو بخط مشترك ولا رقم سوى رقم القسم الوحيد الذي يعمل تلفونا وفاكسا في نفس الوقت بل وصل الأمر إلى عدم اعتبار المرأة الأكاديمية موازية للرجل الأكاديمي حتى في الأعطيات والأوامر الملكية إذ صدر الأمر الملكي بتوزيع قطع أرض على أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ( دون تحديد الجنس ) لكن النظام والجهات التنفيذية في الجامعات افترضت أنها للرجال فقط فتم الرفع بأسمائهم وتم التوزيع عليهم في مراحل مختلفة في حين تم حفظ خطابات المعترضات من النساء في أدراج إداريي الجامعات ولم ترفع للجهات المسئولة حتى هذه اللحظة.
ولا تسأل عن المستوى الأكاديمي من خلال تدريس مواد مثل الإحصاء والرياضيات عبر الشبكة أو بقاء الأجهزة معطلة لعدم السماح للصيانة بالدخول أو عدم فهم ما هي المشكلة إذا دخلوا لعدم وجود الموظفات في مكاتبهن ليقفن مع الصيانة وقد تتكسر المكاتب وآلات التصوير بين العمال وتضيع مستندات وخلافه هذا عدا عن أي أمر بسيط يمكن تنفيذه في دقائق يأخذ أياما لطول الدورة الإدارية بين الرجال والنساء وغيره و غيره من التفاصيل الكبيرة والصغيرة التي اعتادت النساء عليها وتم تدجينهن لقبولها بل والدفاع عنها كمكتسبات ومقارنتها بما كنا عليه سابقا.
أما ما يحكم الطالبات في هذه المراكز فهو من عجب العجاب فالطالبات أناث قابلات للخطيئة ولذا فيجب دائما فرض الرقابة والوصاية عليهن فخروجهن بإذن ودخولهن بإذن ولعل الرئاسة العامة لتعليم البنات ممثلة بوكالاتها للكليات والتي كانت مشرفة على كليات التربية للبنات منذ عام 1960 وحتى 2004 حين حل الملك عبدالله هذه المؤسسات وضم التعليم تحت مظلتي وزارة التربية والتعليم و التعليم العالي إثر حريق مكة الشهير الذي راحت ضحيته خمسة عشر طالبة . نقول إن الأسس الفلسفية لتلك المؤسسة وكيف ترى المرأة ساهمت في إرساء معالم نظام إداري يبنى التعامل فيه مع الطالبات والموظفات على أنهن أمانه يتم تسليمها في السابعة ويأتي من يستلمها في الواحدة. الطالبة غير مسئولة عن نفسها وقد تتعرض للإغواء والخطيئة في أي وقت ولذا يجب إغلاق الأبواب بالأقفال ومنع الدخول والخروج والزيارات لحمايتهن من التعرض لمصادر الفساد.
الطالبة في هذه المراكز لا تعامل كطالبة جامعية ..إنها تعامل كأنثى ويتم تأكيد النظام الاجتماعي من خلال إعادة إنتاج نفس المفردات النسائية بذات الأدوار التي خلقها مجتمع أبوي يؤمن بدونية الأنثى وتفوق الذكر ويكرس فكرة أن (ولي أمري أدرى بأمري) وأنني سأظل قاصرة مهما بلغت من العمر أو حصلت على أعلى الشهادات ولذا لا تجد هذه المراكز في كثير من أنحاء المملكة غضاضة في تفتيش الطالبات أو منعهن من الخروج إلا بإذن أو مرافق من ولي الأمر وتمنع فتح الأبواب للزيارات من جامعات أخرى إلا عبر وفود رسمية تم تنظيم دخولها وخروجها المسبق ليتسق مع نظام رعاية أبوي يصنف الأنثى ككائن غير عاقل وغير مسئول ولا يمكنه اتخاذ قرارات مناسبة أو التصرف في أمور مالية مثلا أو إدارية حاسمة ويتوقع الإداريون كبارهم وصغارهم في الجامعات السعودية من النساء في هذه المراكز التابعة السمع والطاعة بل إنني لن أنسى ما حييت إحدى كبار الإداريات في أحد هذه المراكز وهي تجيب رئيسها الرجل على التلفون بقولها: سم طال عمرك.. سم طال عمرك وأية محاولة للتمرد على هذه الإرادة الرجالية الذكورية تقابل مباشرة بالنفي والتهميش ثم الإطاحة بها والإتيان بعناصر أكثر انقيادية واستجابة لمتطلبات عصر الذكر السعودي الجامعي.
وبعد.. لا عزاء للسيدات من الأكاديميات القديمات اللاتي أكلن المقلب!! لكن ليبشر أصحاب السعادة أن نساء الجيل الجديد من الطالبات يمتلكن عقلية لم تفلح كل هذه التهيئة الذهنية التدجينية على قبولها وأنهن يتساءلن في كل لحظة عن سر هذا الحصار وعلته الفلسفية والاجتماعية وينظرن لأنفسهن بشكل موازٍ لزملائهن من الذكور الذين يحملون ولله الحمد نظرة مقاربة لزميلاتهم ليس كجنس مختلف بل كطالبات يتمتعن بإمكانات موازية لهم.