الوعظ والإرشاد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو من واجبات المسلم، حيث وردت نصوص في الكتاب الحكيم والسنة النبوية الصحيحة تنص على ذلك وبشكل صريح.
قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ (110) سورة آل عمران.
وقال تعالى: فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ (116) سورة هود.
وقد شدد الله على من تراخى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذم أهل ذلك، قال تعالى: كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ (79) سورة المائدة.
غير إنه في بلد مسلم تبني فيه المساجد وتقام فيه الصلاة ويدرس الدين في كل مراحل التعليم فيه لا أظن أن عدد الوعاظ فيه معقول، فلا حصر لهم ولا حدود لطروحاتهم، وهم على كثرتهم يختلفون في أفكارهم الأمر الذي يجعل الناس في حيرة وارتباك في أمور دينهم وهذا من عظيم المخاطر.
وهؤلاء الوعاظ يسوقون أنفسهم وقد تجد منهم من لديه الاستعداد لتقديم حلقات في فضائية معينة دون مقابل حيث إنه أصبح مدمناً على الظهور بل مشغوف به.. وقد ارتفعت همم بعضهم لدرجة أنهم تجرؤوا على الفتوى، متناسين أمر ولي الأمر الذي حدد فيه من لهم حق الفتيا وتناسوا ما رواه الدارمي من قول المصطفى أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار.
بعض من الوعاظ ونظرة لشعبيته تربح بالوعظ فألف كتباً وباعها بمبالغ كبيرة وبعضهم أضطر إلى سرقة أفكار آخرين ليخرجها باسمه ويحصل على الدرهم والدينار.
ودور النشر وللأسف تساعد في نشر كتب هؤلاء الوعاظ فهي تربح منها أكثر مما تربح من نشر كتاب في الاقتصاد والإدارة أو حتى الفقه، حيث إن سوق هؤلاء عوام الناس والبسطاء وهم كثر.. بذا فأن الفوضى التي أحدثها هؤلاء الوعاظ خصوصاً الذين تجرؤوا على الفتوى أضاعت المرجعية الفقهية الممثلة في مفتي الديار السعودية والهيئة الدائمة للإفتاء أو أنها أوشكت على ذلك.. ولن تكون لك مفاجأة أخي القارئ عندما تسمع أحد البسطاء يقول لك إن الشيخ فلان أفتى بكذا، وهو يقصد الواعظ فلان.
ضياع المرجعية خطر كبير وسوف يؤدي إلى تفكك المجتمع وجعل مكوناته فرقاً وشيعاً بعضها ضد الآخر بفعل هؤلاء المدعين للعلم والمنتحلين لشخصيات الفقهاء والعلماء الثقات.. ولقد أصر بعض الوعاظ على أن يجعل للمسلم شكلاً أو نموذجاً يلزمه أتباعه وما عدا ذلك فإن المسلم سيكون في دائرة يخاف عليه فيها من النار.
إزاء ما يقوم به هؤلاء الوعاظ نجد طرفاً آخر وكأنه يقدم نفسه كمخلص من طغيان هؤلاء لكنه يشطح لدرجة الكفر وأعني بهذا المتحررين الذين شغفوا بمسمى ليبراليين وأشغلوا الناس بفكر ضحل لا أساس له.
بين هؤلاء وهؤلاء يضيع الكثير من الناس خصوصاً الشبان والشابات الذين تكون أفكارهم واتجاهاتهم الفكرة في طور التكوين فيتأثرون بإحدى الطائفتين وبالتالي تتكون الجماعات الفكرية الخطرة المتناحرة كما نرى في بعض بلاد المسلمين.
كثرة الأفكار المطروحة جعلت حال البعض من الناس كما قال الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراش
فما يدري خراش ما يصيد
وأملي في هبة حكومة خادم الحرمين وولي عهده الأمين لتنظيم شأن الوعاظ ولتحجيم دور المتطاولين على دور المفتي الرسمي ووضعهم في المسار الصحيح وردع من جاء عدواناً بما يسيء لله ورسوله والدين الحنيف.
إنني أستطيع وبكل وضوح أن أقول إن من تجرأ على الإفتاء ولو كان على علم فإنه خارج على ولي الأمر في عصيانه الأوامر الصادرة بتحديد من لهم الحق في إفتاء المسلمين عند الضرورة.. حيث قصد بهذه الأوامر توحيد المسلمين في مرجع واحد تقوي به شوكتهم.
قال شاعر الإسلام محمد إقبال:
وفي التوحيد للهمم اتحاد
ولن تبنوا العلا متفرقينا
وفقنا الله لحفظ أمانته واتباع أوامره واجتناب نواهيه، ووفق الله ولاة أمرنا لنصرة دينه وحفظه من أعدائه المتربصين.
والله الموفق.