- لا عزاءَ لمن شاب فوداه ورقت جوانحه؛ فالعمرُ رحلةٌ تؤذنُ بانصرامٍ يدنو مع تركيم التجربةِ أيامًا فأعواما، لكن عالم اجتماعٍ إيطاليّا “ويلفريدو باريتو” يرى أننا لا نستطيع تحديد وقت ابتداء الشيخوخة مثلما لا يمكننا تحديد بدءِ الغِنى.
- لا حدّ فاصلًا يقفُ بين المراحل العمرية؛ فلا تنقضي مرحلة برقم ولا رحلةٌ برسم، وجاءت “التقنية” التي أبطلت الحواجزَ بين النخب والعامة والكبار والصغار والأغنياء والفقراء لتثبت أن كثيرًا من النظريات الاجتماعية والثقافية تعيش مخاضًا قد يسفر عن ملامح جديدةٍ لزمنٍ مختلف.
- سقطت الحدود دون ريب، لكن فينا من لا يزال يراها مجسمةً في شواهقَ تحجزُ الرؤية وتحجبُ التواصل، وهي لن تتلاشى في أذهانهم حتى تخترقها مساقط ضوءٍ نافذةٌ تحررُ فكرهم من إسار الوهم المصطلحي الذي تغيب حقائقُه في دقائقِه؛ فيظل منتميًا لفكرٍ سالفٍ دون أن يمنحهم حقّ الحياة في زمنهم مثلما لنا حق الحياة في زمننا.
- نتحاور ولو لم نتجاور مع فواصل القرون، وفيها خلافاتٌ مفصليةٌ انطلاقًا من التغيّر الحاد بعد الثورتين الصناعية والتقنية، ثم نعجز عن خلق لغة مشتركة مع المعاصرين لأننا نفترق في مفاهيم متبدلةٍ قد يجوز فيها رأيٌ أو نقيضُه، ونجد من يوقظُ ما غفا من منطق ومن عفا من ناطق ليستدرَّ بها مخارجَ حروفٍ غير مألوفةٍ في مناظراتِ السالفين.
- للعمر حكايته، ومثلما يتفاهم شيخٌ وطفلٌ كما لا يفعل متجايلان فإن خطوطَ العمر لا تقف عند شخوص، بل تمتد إلى نفوسٍ صيّرت عبد الرحمن شكري “العشريني” وأحد مؤسسي مدرسة الديوان “ ثمانينيًّا”، وجعلت أحمد الصافي النجفي “السبعينيّ” يهزأُ بالتسعين ويحسب عمره في العشرين.
- تبقى المسافاتُ غيرَ ذاتِ معنى حين تقاسُ بالرقم المجرد، ويظلّ متعمدو تجذير المسافات مخطئين بحق الغد الذي سيحاسبهم على ما يتعمدون صنعه من فجواتٍ وحواجز تخترق البناء.
- يومًا كتب “نيتشه” على لسان حكيم يحتضر: “لنحتمل بعضنا؛ فلم يعد ثمة أصدقاء”، وعلى لسان مجنونٍ على قيد الحياة: “لم يبقَ أعداء”، وقد لخص بهاتين العبارتين على لساني راحل ومقيم مسيرة الحياة اللاهثةَ التي لا تتسعُ لعُقدنا المتعاظمة المبتدئةِ من الأنا والمتوَّجة بها والمنتهيةِ إليها، ولو خفّتْ غلواؤُها لوصلنا إلى التجسير والتيسير.
- ليتنا نبلغ مرحلة أدنى من التسامي فنتسامح قليلًا؛ إذ للعمر حكايةٌ قصيرةٌ يعلوها بعضُ الضجيج وكثيرٌ من الغبار، وحين يهدأ الصوت وتصفو الرؤية نكتشف أننا وحيدون مع ذواتنا نجترُّ ذكريات ليالٍ بلا قمر، ووادٍ بلا مطر، ومدائن تسكنها الرياح والأشباح.
- عهد من نفسه - مذ كان يافعًا - الأنسَ بكبار السن ؛ فتعلم منهم بعض هدوئهم، وكبر فوجد الصخبَ ولا كبارَ، وبحث عن الصغار فرآهم لا يأنسون بالكبار، وبقينا بلا عُمر.
- الأزمنةُ ولودةٌ وءودة.
ibrturkia@gmail.comt :@abohtoon