الثقة المتبادلة هي أساس التعامل في المجتمعات، فالوالد يثق في أبنائه وزوجته والزوجة والأبناء يثقون في والدهم، والرئيس يثق في موظفيه، والموظفون يثقون في رئيسهم وهكذا تمتد الثقة
لتشمل كافة نواحي الحياة، ولا يمكن للحياة أن تسير وفق منهج صحيح إذا انعدمت الثقة، بل لا يمكن أن يشعر الإنسان بالأمن والاطمئنان إذا شعر أنه لا يثق فيمن حوله أو شعر بأن الآخرين لا يثقون فيه ولا فيما يقول.
وعندما تنعدم الثقة يأتي الشك وسوء الظن والوهم والتوجس والخوف من الآخر وكل ذلك يوجب اتخاذ احتياطات متعددة ومبالغ فيها حرصا على أن لا يقع الإنسان في مكائد أو مؤامرات تدبر له في الخفاء، وهناك العديد من مؤشرات انعدام الثقة وفي مقدمتها الكذب، فمن يكذب لا يمكن أن يكون أهلاً لأن يمنح الثقة، فكيف يمكن أن يثق الناس في كاذب، ومن مؤشرات انعدام الثقة أن يخلف الإنسان ما يعد به، فكيف يمكن أن تعطي ثقتك لمن يعدك بأمر ولا يوفي به، وكيف يمكن أن تثق في إنسان لا يوفي بوعده، وبعض الناس يظهر أمامك وأمام الناس بمظهر وما إن يغادر المكان الذي أنت فيه إلا ويتغير بشكل مخالف تماما فهو متلون ومتقلب ومثل أولئك لا يمكن أن ينالوا الثقة. ومن مؤشرات انعدام الثقة عدم استطاعة الإنسان أن يعترف بأخطائه فتجده ينفي أي خطأ يرتكبه وأي نقص يعتريه ويؤكد لك أن كل أفعاله وأقواله صحيحة، ومثل هؤلاء لا يمكن أن يكسبوا ثقة أحد.
انعدام الثقة داء خطير جداً يساهم في تدمير المجتمعات، ويؤدي إلى انتشار وسائل الرقابة والاحتياط سواء من خلال الكاميرات أو التصنت أو التجسس على المكالمات الهاتفية أو وضع المراقبين الذين يقومون بتدوين كل صغيرة وكبيرة أو غيرها من الوسائل المختلفة وهذا كله يؤدي إلى تفكك المجتمعات وتنافر أفرادها ونشر الشكوك فيما بينهم، وهناك فرق بين وسائل تحسين الجودة وتطوير الإنجاز ووسائل المراقبة والتحكم والسيطرة على الآخرين.
من أهم العناصر الرئيسية التي يجب علينا أن ننشرها في المجتمع اليوم هي تعزيز الثقة فيما بيننا وذلك من خلال تحقيق الإنجازات والوفاء بالوعود والصدق والعدل والإنصاف في معاملاتنا المختلفة، وكل ذلك يحتاج منا إلى جهد كبير فليس بالسهولة أن تكسب ثقة الآخرين بل هو من الأشياء الصعبة، والأصعب منه هو أن تحافظ على هذه الثقة وترفع من مستواها.
إن المجتمع الذي يثق أفراده في بعضهم البعض تجده مجتمعاً قوياً، تسوده المحبة والألفة وتجمعه الشدائد والأفراح، ولديه يقين تام أنه يعيش في إطار يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة والتي هي في كل الأحوال مقدمة على مصلحة الفرد، فتجد مثل هذا المجتمع يثق كل الثقة فيما يرى أو يسمع، بل تجده يعمل ليل نهار ليحقق الأهداف الطموحة التي من شأنها أن تساهم في تنمية المجتمع وتطويره.
إن الثقة سلاح ذو حدين فإما أن تكسب ثقة الآخرين وبذلك فأنت تكسب كنز يجب أن تحافظ عليه وتحرسه وتحميه ولا تسمح لأحد أن ينال منه بأي شكل من الأشكال وإما أن تفشل في كسب ثقة الآخرين فتصبح عالة على المجتمع ولا يمكن لأحد أن يثق فيك أو يصدق ما تقول.